هل علينا من عين؟ فقال أبو عنبس: فقلت عليكما من الله عين بصرة، وأذن سميعة، قال:
فترقوقت عينا الفتى. فأرسل يده من يد خالد وولى، فقلت: من هذا؟ قال: هذا عمر بن عبد العزيز ابن أخي أمير المؤمنين، ولئن طالت بك حياة لترينه إمام هدى. قلت: قد كان عند خالد بن يزيد بن معاوية شئ جيد من أخبار الأوائل وأقوالهم، وكان ينظر في النجوم والطب. وقد ذكرنا في ترجمة سليمان بن عبد الملك أنه لما حضرته الوفاة أراد أن يعهد إلى بعض أولاده، فصرفه وزيره الصالح رجاء بن حياة عن ذلك، وما زال به حتى عهد إلى عمر بن عبد العزيز من بعده وصوب ذلك رجاء فكتب سليمان العهد في صحيفة وختمها ولم يشعر بذلك عمر ولا أحد من بني مروان سوى سليمان ورجاء، ثم أمر صاحب الشرطة باحضار الامراء ورؤوس الناس من بني مروان وغيرهم، فبايعوا سليمان على ما في الصحيفة المختومة، ثم انصرفوا، ثم لما مات الخليفة استدعاهم رجاء بن حياة فبايعوا ثانية قبل أن يعلموا موت الخليفة، ثم فتحها فقرأها عليهم، فإذا فيها البيعة لعمر بن عبد العزيز، فأخذوه فأجلسوه على المنبر وبايعوه فانعقدت له البيعة.
وقد اختلف العلماء في مثل هذا الصنيع في الرجل يوصي الوصية في كتاب ويشهد على ما فيه من غير أن يقرأ على الشهود. ثم يشهدون على ما فيه فينفذ، فسوغ ذلك جماعات من أهل العلم، قال القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري: أجاز ذلك وأمضاه وأنفذ الحكم به جمهور أهل الحجاز، وروى ذلك عن سالم بن عبد الله. وهو مذهب مالك ومحمد بن مسلمة المخزومي ومكحول، ونمير بن أوس وزرعة بن إبراهيم، والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز، ومن وافقهم من فقهاء الشام. وحكى نحو ذلك خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه وقضاة جنده، وهو قول الليث بن سعد فيمن وافقه من فقهاء أهل مصر والمغرب، وهو قول فقهاء أهل البصرة وقضاتهم.
وروى عن قتادة وعن سوار بن عبد الله وعبيد الله بن الحسن ومعاذ بن معاذ العنبري فيمن سلك سبيلهم، وأخذ بهذا عدد كثير من أصحاب الحديث، منهم أبو عبيد وإسحاق بن راهويه. قلت:
وقد اعتنى به البخاري في صحيحه. قال المعافى: وأبى ذلك جماعة من فقهاء العراق، منهم إبراهيم وحماد والحسن، وهو مذهب الشافعي وأبي ثور، قال: وهو قول شيخنا أبي جعفر، وكان بعض أصحاب الشافعي بالعراق يذهب إلى القول الأول، قال الجريري: وإلى القول الأول نذهب.
وتقدم أن عمر بن عبد العزيز لما رجع من جنازة سليمان أتي بمراكب الخلافة ليركبها فامتنع من ذلك وأنشأ يقول: - فلو لا التقى ثم النهى خشية الردى (1) * لعاصيت في حب الصباكل زاجر قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى * له صبوة أخرى الليالي الغوابر ثم قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. قدموا إلي بغلتي، ثم أمر ببيع تلك المراكب الخليفية