ويقال إنه كان مع المعبد ثلاث دور عظيمة للملوك، ويحيط بهذه الدور والمعبد سور واحد عال منيف، بحجارة كبار منحوتة، وهن دار المطبق، ودار الخيل، ودار كانت تكون مكان الخضراء التي بناها معاوية.
قال ابن عساكر فيما حكاه عن كتب بعض الأوائل: إن اليونان مكثوا يأخذون الطالع لبناء دمشق وهذه الأماكن ثماني عشرة سنة، وقد حفروا أساس الجدران حتى واتاهم الوقت الذي طلع فيه الكوكبان اللذان أرادوا أن هذا المعبد لا يخرب أبدا ولا تخلو منه العبادة، وأن هذه الدار إذا بنيت لا تخلو من أن تكون دار الملك والسلطنة. قلت: أما المعبد فلم يخل من العبادة. قال كعب الأحبار:
لا يخلو منها حتى تقوم الساعة، وأما دار الملك التي هي الخضراء فقد جدد بناءها معاوية، ثم أحرقت في سنة إحدى وستين وأربعمائة كما سنذكره، فبادت وصارت مساكن ضعفاء الناس وأراذلهم في الغالب إلى زماننا هذا. والمقصود أن اليونان استمروا على هذه الصفة التي ذكرناها بدمشق مددا طويلة، تزيد على أربعة آلاف سنة، حتى أنه يقال إنه أول من بنى جدران هذا المعبد الأربعة هود عليه الصلاة والسلام، وقد كان هود قبل إبراهيم الخليل بمدد طويلة، وقد ورد إبراهيم الخليل دمشق ونزل شمالها عند برزة (1)، وقاتل هناك قوما من أعدائه فظفر بهم، ونصره الله عليهم، وكان مقامه لمقاتلتهم عند برزة، فهذا المكان المنسوب إليه بها منصوص عليه في الكتب المتقدمة يأثرونه كابرا عن كابر وإلى زماننا والله أعلم.
وكانت دمشق إذ ذاك عامرة آهلة بمن فيها من اليونان، وكانوا خلقا لا يحصيهم إلا الله، وهم خصماء الخليل، وقد ناظرهم الخليل في عبادتهم الأصنام والكواكب وغيرها في غير موضع، كما قررنا ذلك في التفسير، وفي قصة الخليل من كتابنا هذا " البداية والنهاية " ولله الحمد وبالله المستعان.
والمقصود أن اليونان لم يزالوا يعمرون دمشق ويبنون فيها وفي معاملاتها من أرض حوران والبقاع وبعلبك وغيرها، البنايات الهائلة الغريبة العجيبة، حتى إذا كان بعد المسيح بمدة نحو من ثلاثمائة سنة تنصر أهل الشام على يد الملك قسطنطين بن قسطنطين، الذي بنى المدينة المشهورة به ببلاد الروم وهي القسطنطينية، وهو الذي وضع لهم القوانين، وقد كان أولا هو وقومه وغالب أهل الأرض يونانا، ووضعت له بطاركته النصارى دينا مخترعا مركبا من أصل دين النصرانية، ممزوجا بشئ من عبادة الأوثان، وصلوا به إلى الشرق، وزادوا في الصيام، وأحلوا الخنزير، وعلموا أولادهم الأمانة الكبيرة فما يزعمون، وإنما هي في الحقيقة خيانة كبيرة، وجناية كثيرة حقيرة، وهي مع ذلك في الحجم صغيرة. وقد تكلمنا على ذلك فيما سلف وبيناه. فبنى لهم هذا الملك الذي ينتسب إليه الطائفة الملكية من النصارى، كنائس كبيرة في دمشق وفي غيرها، حتى يقال إنه بنى اثنتي عشرة