أحمده على ما أولى من نعمه وأجزل للناس من قسمه وأصلي على رسوله محمد سيد العرب والعجم المبعوث إلى جميع الأمم وعلى آله وأصحابه أعلام الهدى ومصابيح الظلم وعليهم وسلم.
أما بعد فإني لم أزل محبا لمطالعة كتب التواريخ ومعرفة ما فيها مؤثرا للاطلاع على الجلي من حوادثها وخافيها مائلا إلى المعارف والآداب والتجارب المودعة في مطاويها فلما تأملتها رأيتها متباينة في تحصيل الغرض يكاد جوهر المعرفة بها يستحيل إلى العرض فمن بين مطول قد استقصى الطرق والروايات ومختصر قد أخل بكثير مما هو آت ومع ذلك فقد ترك كلهم العظيم من الحادثات والمشهور من الكائنات. وسود كثير منهم الأوراق بصغائر الأمور التي الإعراض عنها أولى وترك تسطيرها أحرى كقولهم: خلع فلان الذمي صاحب العيار وزاد رطلا في الأسعار وأكرم فلان وأهين فلان، وقد أرخ كل منهم إلى زمانه وجاء بعده من ذيل عليه وأضاف المتجددات بعد تاريخه إليه والشرقي منهم قد أخل بذكر أخبار الغرب والغربي قد أهمل أحوال الشرق فكان الطالب إذا أراد أن يطالع تاريخا احتاج إلى مجلدات كثيرة وكتب متعددة مع ما فيها من الإخلال والإملال.
فلما رأيت الأمر كذلك شرعت في تأليف تاريخ جامع لأخبار ملوك الشرق والغرب وما بينهما ليكون تذكرة لي أراجعه خوف النسيان وآتي فيه بالحوادث والكائنات من أول الزمان متتابعة يتلو بعضها بعضا إلى وقتنا هذا.
ولا أقول إني أتيت على جميع الحوادث المتعلقة بالتاريخ فإن من هو