سمعه وبين ما قرأه في الكتب المتضمنة أخبار الماضين وحوادث المتقدمين فإذا طالعها فكأنه عاصرهم وإذا علمها فكأنه حاضرهم.
ومنها أن الملوك ومن إليهم الأمر والنهي إذا وقفوا على ما فيها من سيرة أهل الجور والعدوان ورأوها مدونة في اكتب يتناقلها الناس فيرويها خلف عن سلف ونظروا إلى ما أعقبت من سوء الذكر وقبيح الأحدوثة وخراب البلاد وهلاك العباد وذهاب الأموال وفساد الأحوال استقبحوها وأعرضوا عنها واطرحوها وإذا رأوا سيرة الولاة العادلين وحسنها وما يتبعها من الذكر الجميل بعد ذهابهم وان بلادهم وممالكهم عمرت وأموالها درت استحسنوا ذلك ورغبوا فيه وثابروا عليه وتركوا ما ينافيه هذا سوى ما يحصل لهم من معرفة الآراء الصائبة التي دفعوا بها مضرات الأعداء وخلصوا بها من المهالك واستصانوا نفائس المدن وعظيم الممالك ولو لم يكن فيها غير هذا لكفى به فخرا.
ومنها ما يحصل للانسان من التجارب والمعرفة بالحوادث وما تصير إليه عواقبها فإنه لا يحدث أمر إلا قد تقدم هو أو نظيره فيزداد بذلك عقلا ويصبح لأن يفتدى به أهلا ولقد أحسن القائل حيث يقول.
(رأيت المعقل عقلين * فمطبوع ومسموع) (فلا ينفع مسموع * إذا لم يك مطبوع) (كما لا تنفع الشمس * وضوء العين ممنوع) يعني بالمطبوع العقل الغريزي الذي خلقه الله تعالى للانسان وبالمسموع