البلدان والامصار واستحلال الفروج والأموال وانتحال ما لم يجعله الله له أهلا من النبوة والرسالة ويعلمه أن التوبة له مبسوطة والأمان له موجود فان هو نزع عما هو عليه من الأمور التي يسخطها الله ودخل في جماعة المسلمين محا ذلك ما سلف من عظيم جرائمه وكان له به الحظ الجزيل في دنياه وأنفذ ذلك مع رسوله إلى الخبيث والتمس الرسول إيصاله فامتنع أصحاب الخبيث من إيصال الكتاب فألقاه الرسول إليهم فأخذوه وأتوا به إلى الخبيث فقرأه فلم يزده ما كان فيه من الوعظ إلا نفورا وإصرارا ولم يجب عن الكتاب بشئ وأقام على اغتراره ورجع الرسول إلى أبى أحمد فأخبره بما فعل وترك الخبيث الإجابة عن الكتاب وأقام أبو أحمد يوم السبت والاحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء متشاغلا بعرض الشذا والسميريات وترتيب قواده ومواليه وغلمانه فيها وتخير الرماة وترتيبهم في الشذا والسميريات فلما كان يوم الخميس سار أبو أحمد في أصحابه ومعه ابنه أبو العباس إلى مدينة الخبيث التي سماها المختارة من نهر أبى الخصيب فأشرف عليها وتأملها فرأى من منعتها وحصانتها بالصور والخنادق المحيطة بها وما عور من الطرق المؤدية إليها وأعد من المجانيق والعرادات والقسي الناوكية وسائر الآلات على سورها ما لم ير مثله ممن تقدم من منازعي السلطان ورأى من كثرة عدد مقاتلتهم واجتماعهم ما استغلظ أمره فلما عاين أصحابه أبا أحمد ارتفعت أصواتهم بما ارتجت له الأرض فأمر أبو أحمد عند ذلك ابنه أبا العباس بالتقدم إلى سور المدينة ورشق من عليه بالسهام ففعل ذلك ودنا حتى ألصق شذواته بمسناة قصر الخائن وانحازت الفسقة إلى الموضع الذي دنت منه الشذا وتحاشدوا وتتابعت سهامهم وحجارة مجانيقهم وعراداتهم ومقاليعهم ورمى عوامهم بالحجارة عن أيديهم حتى ما يقع طرف ناظر من الشذا على موضع إلا رأى فيه سهما أو حجرا وثبت أبو العباس فرأى الخائن وأشياعه من جدهم واجتهادهم وصبرهم ما لا عهد لهم بمثله من أحد حاربهم فأمر أبو أحمد أبا العباس ومن معه بالرجوع إلى مواقفهم ليروحوا عن أنفسهم ويداووا جراحهم ففعلوا ذلك واستأمن إلى أبى أحمد في
(٧٥)