لكن قد يناقش بما عرفت من ظهور أدلة ضمان العارية المشترط فيها الضمان وإذا كانت ذهبا أو فضة في الصحيح منها، أما الفاسدة فلا يترتب على الشرط فيها ولا على كونها ذهبا وفضة ضمان من هذه الجهة، وإنما يترتب الضمان بقاعدة اليد، والخبرين السابقين، وحينئذ رجوع المعير عليه بقيمة العين باعتبار صيرورتها عوضا شرعا عما أداه عنها برجوع المالك عليه، والفرض عدم الغرور منه.
لا يقال: - إن ذلك يقتضي رجوع المستعير على المعير أيضا لو رجع عليه المالك في العارية المضمونة وإن لم يكن ثم غرور، لكنه بأدائه قيمة العين المضمونة عليه للمالك، نحو ما سمعته في رجوعه عليه - للفرق الواضح بينهما، بحصول التلف في يده الذي هو سبب في شغل ذمته بالقيمة للمالك، بخلاف الأول المخاطب في الحقيقة برد العين أو قيمتها ممن هي في يده، إذ لا وجه لخطابهما بقيمتين، والبدلية المتشخصة بالخيار لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها، فليس حينئذ إلا ما ذكرنا من كون القيمة في ذمة من حصل التلف في يده، والآخر مخاطب بارجاع ذلك منه وإلا فبالغرامة عنه، فإذا أدى صار ما في ذمته له عوضا شرعيا، إذا لا وجه لملك الغاصب، فقام الإذن الشرعي بالأداء عنه مقام الإذن منه بذلك، بخلاف ما لو أدى هو فإنما يؤدي عن نفسه، وبذلك اتضح وجه الرجوع على من حصل التلف في يده من ذي الأيدي المتعاقبة دونه، إلا إذا كان مغرورا، فإنه يستحق الرجوع بما يغرمه بقاعدة " المغرور يرجع على من غره ".
وبذلك اتضح لك هنا رجوع المعير على المستعير العالم لو رجع عليه، دونه وكذا الجاهل بالقيمة إذا كانت العين مضمونة عليه إذ المسألة فرد من أفراد مسألة تعاقب الأيدي فتأمل جيدا، فإنك لا تجد تحقيق ذلك في غير هذا كتاب، بل هو التحقيق في أطراف المسألة.
ومنه يعلم التشويش في جملة من كلماتهم، خصوصا ما يحكى عن تذكرة الفاضل في تذنيب ذكره من أنه " لو استعار من غير المالك عالما أو جاهلا ضمن، واستقر الضمان عليه، لأن التلف حصل في يده، ولا يرجع على المعير، ولو رجع المالك على المعير