والذي يقتضيه النظر في المسألة أنه لا ينبغي التأمل في جواز عقد العارية هنا لعموم ما دل عليه، وعموم (1) " تسلط الناس على أموالها " وأنها قسم من الإباحة و البر والاحسان وغير ذلك، إنما الكلام في حكم الغرس والبناء والزرع بعد فسخها ضرورة رجوع الأمر حينئذ إلى تزاحم الحقوق، إذا المستعير ليس ظالما في عرقه و قاعدة لا ضرر ولا ضرار جارية في المقام بالنسبة إليهما معا.
ومن هنا قال المصنف وغيره: {وعلى الآذن الأرش} فاحتمال تسلط المعير على الإزالة مطلقا بلا أرش للأصل، ولأن المستعير هو الذي أدخل الضرر على نفسه بإقدامه على العارية التي يجوز فسخها في كل وقت، لا يخفى عليك ما فيه، لانقطاع الأصل بما عرفت من القاعدة، والاقدام على العارية أعم من الاقدام على الضرر المبني على اقتضاء التسلط بفسخها على ذلك، وهل هو إلا مصادرة؟
ومن هنا نفى الخلاف بعضهم عن وجوب الأرش في المقام وإن استشكل فيه بعضهم إلا أن الاشكال ليس خلافا، كما أنه يمكن نفيه أيضا عن تقديمه على المستعير وإن بذل الأجرة، ولعل ذلك كاف في ترجيحه على الآخر عند المزاحمة لو أراد بذل الأجرة للبقاء، أو القيمة للأرض، ولذا كان المتجه فيهما التراضي لدفع صاحب الأرض قيمة الغرس.
أما موثق محمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر عليه السلام - " في رجل اكترى دارا وفيها بستان فزرع في البستان وغرس نخلا وأشجارا وفواكه وغير ذلك، ولم يستأمر صاحب الدار في ذلك، فقال: عليه الكرى ويقوم صاحب الدار الزرع والغرس قيمة عدل، فيعطيه الغارس إن كان استأمره في ذلك، وإن لم يكن استأمره في ذلك فعليه الكراء وله الغرس والزرع ويقلعه ويذهب به حيث شاء " - فلم أجد عاملا به، عدا ما عن المبسوط من إجبار الغارس على القبول مع دفع القيمة، مع أنه مضطرب، لأنه على ما في الكافي بعد قوله فيعطيه الغارس، " وإن كان استأمره فعليه الكرى وله الغرس