وهم أهل عمد، وكان إسماعيل ومحمد، صلى الله عليهما وسلم، من سكان الحرم، وقد وصفنا كل موضع من هذه المواضع في مكانه، والذي يتبين ويصح من هذا أن كل من سكن جزيرة العرب ونطق بلسان أهلها فهم العرب سموا عربا باسم بلدهم العربات، وقال أبو تراب إسحاق بن الفرج: عربة باحة العرب، وباحة: دار أبي الفصاحة إسماعيل بن إبراهيم، عليه السلام، قال: وفيها يقول قائلهم وهو أبو طالب بن عبد المطلب عم النبي، صلى الله عليه وسلم:
وعربة دار لا يحل حرامها * من الناس إلا اللوذعي الحلاحل يعني النبي، صلى الله عليه وسلم، أحلت له مكة ساعة من نهار ثم هي حرام إلى يوم القيامة، قال:
واضطر الشاعر إلى تسكين الراء من عربة فسكنها كما فعل الآخر:
وما كل مبتاع ولو سلف صفقه أراد سلف، وأقامت قريش بعربة فتنخت بها وانتشر سائر العرب، وبها كان مقام إسماعيل، عليه السلام، وقال هشام بن محمد بن السائب: جزيرة العرب تدعى عربة ومن هنالك قيل للعرب عربي كما قيل للهندي هندي وكما قيل للفارسي فارسي لان بلاده فارس وكما قيل للرومي رومي لان بلاده الروم، وأما النبطي فكل من لم يكن راعيا أو جنديا عند العرب من ساكني الأرضين فهو نبطي، وعلى ذلك شاهد من أشعار العرب مع حق ذلك وبيانه، وقال ابن منقذ الثوري في عربة:
لنا إبل لم يطمث الذل نيبها * بعربة مأواها بقرن فأبطحا فلو أن قومي طاوعتني سراتهم * أمرتهم الامر الذي كان أربحا فالألسنة التي تجمع العربية كلها قديمها وحديثها ستة ألسنة وكلها تنسب إلى الأرض والأرض عربة ولم يسمع لاحد من سكان جزيرة العرب أن يقال له عربي إلا لرجل أنطقه الله بلسان منها فإنهم وأولادهم أهل ذلك اللسان دون سائر ألسنة العرب، ألا ترى أن بني إسرائيل قد عمروا الحجاز فلم ينسبوا عربا لأنهم لم ينطقوا فيها بلسان لم يكن قبلهم؟ وبالخط وفي البحرين المسند وفي عمان فهم بمنزلة بني إسرائيل لم ينطقوا فيها بلسان لم يكن قبلهم وكانت بها عاد وثمود وجرهم والعماليق وطسم وجديس وبنو عبد ابن الضخم، وكان آخر من أنطق الله بلسان لم يكن قبله إسماعيل بن إبراهيم ومدين ويافش وهو يفشان فهؤلاء عرب، ومن أشد تقارب في النسب وموافقة في القرابة وأشد تباعد في اللغات بنو إسماعيل وبنو إسرائيل أبوهم واحد، وهؤلاء عرب وهؤلاء عبر لأنهم لم ينطقوا بلغة العرب وأنطق الله فيها مدين ويافش وعدة من أولاد إبراهيم فهم عرب، قال عمر بن محمد وأصحابه: أول من أنطقه الله في عربة بلسان لم يكن قبلهم عوض وصول ابنا إرم وجرهم بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، عليه السلام، ومن بعد البلبلة أنطقهم الله بالمسند، فأهل المسند عاد وثمود والعماليق وجرهم وعبد بن الضخم وطسم وجديس وأميم فهم أول من تكلم بالعربية بعد البلبلة ولسانهم المسند وكتابهم المسند، قال هشام: قال أبي أول من تكلم بالعربية يقطن بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، ويقال: إن يقطن هو قحطان عرب فسمي قحطان ولذلك سمي ابنه يعرب بن قحطان