معافري يتصرف في النسبة ولا يتصرف في المفرد لأنه على زنة الجمع ثالثه ألف، ونسب إلى الجمع لأنه صار بمنزلة المفرد سمي به مفرد، وكان أول من حلى البيت عبد المطلب لما حفر بئر زمزم وأصاب فيه من دفن جرهم غزالين من ذهب فضربهما في باب الكعبة، فلما قام الاسلام كساها عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، القباطي ثم كساها الحجاج الديباج الخسرواني، ويقال يزيد بن معاوية، وبقيت على هيئتها من عمارة إبراهيم، عليه السلام، إلى أن بلغ نبينا، صلى الله عليه وسلم، خمسا وثلاثين سنة من عمره جاء سيل عظيم فهدمها وكان في جوفها بئر تحرز فيها أموالها وما يهدى إليها من النذور والقربان فسرق رجل يقال له دويك ما كان فيها أو بعضه فقطعت قريش يده واجتمعوا وتشاوروا وأجمعوا على عمارتها، وكان البحر رمى بسفينة بجدة فتحطمت فأخذوا خشبها فاستعانوا به على عمارتها، وكان بمكة رجل قبطي نجار فسوى لهم ذلك وبنوها ثمانية عشر ذراعا، فلما انتهوا إلى موضع الركن اختصموا وأراد كل قوم أن يكونوا هم الذين يضعونه في موضعه، وتفاقم الامر بينهم حتى تواعدوا للقتال، ثم تحاجزوا وتناصفوا على أن يجعلوا بينهم أول طالع يطلع من باب المسجد يقضي، فخرج عليهم النبي، صلى الله عليه وسلم، فاحتكموا إليه فقال: هلموا ثوبا، فأتي به فوضع الركن فيه ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ليرفعوا، حتى إذا رفعوه إلى موضعه أخذ النبي، صلى الله عليه وسلم، الحجر بيده فوضعه في الركن، فرضوا بذلك وانتهوا عن الشرور، ورفعوا بابها عن الأرض مخافة السيل وأن لا يدخل فيها إلا من أحبوا، وبقوا على ذلك إلى أيام عبد لله بن الزبير فحدثته عائشة، رضي الله عنها، قالت: سألت النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الحجر أمن البيت هو؟ قال: نعم، قالت: قلت فما بالهم لم يدخلوه في البيت؟ قال:
إن قومك قصرت بهم النفقة، قلت: فما شأن بابه مرتفعا؟ قال: فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا، ولولا قومك حديثو عهد في الاسلام فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الحجر في البيت وأن ألزق بابه بالأرض، فأدخل ابن الزبير عشرة مشايخ من الصحابة حتى سمعوا ذلك منها ثم أمر بهدم الكعبة، فاجتمع إليه الناس وأبوا ذلك فأبى إلا هدمها، فخرج الناس إلى فرسخ خوفا من نزول عذاب وعظم ذلك عليهم ولم يجر إلا الخير، وذكر ابن القاضي عن مجاهد قال: لما أراد ابن الزبير أن يهدم البيت ويبنيه قال للناس: اهدموا، فأبوا وخافوا أن ينزل العذاب عليهم، قال مجاهد:
فخرجنا إلى منى فأقمنا بها ثلاثا ننتظر العذاب، وارتقى ابن الزبير على جدار الكعبة هو بنفسه فهدم البيت، فلما رأوا أنه لم يصبه شئ اجترؤوا على هدمه وبناها على ما حكت عائشة وتراجع الناس، فلما قدم الحجاج تحرم ابن الزبير بالكعبة فأمر بوضع المنجنيق على أبي قبيس وقال: ارموا الزيادة التي ابتدعها هذا المتكلف، فرموا موضع الحطيم، فلما قتل ابن الزبير وملك الحجاج رد الحائط كما كان قديما وأخذ بقية الأحجار فسد منها الباب الغربي ورصف بقيتها في البيت حتى لا تضيع، فهي إلى الآن على ذلك، وقال تبع لما كسا البيت:
وكسونا البيت الذي حرم الله * ملاء معضدا وبرودا وأقمنا به من الشهر عشرا، * وجعلنا لبابه إقليدا