الأقصى إلى مكة في ثلاث سنين ونصف يرجع في مثلها، هذا كله عن السمعاني، وفيه تخليط، والصحيح أن سوسة مدينة صغيرة بنواحي إفريقية، بينها وبين سفاقس يومان، أكثر أهلها حاكة ينسجون الثياب السوسية الرفيعة، وما صنع في غيرها فمشبه بها، يكون ثمن الثوب منها في بلدها عشرة دنانير، وبين سوسة والمهدية ثلاثة أيام، قال ابن طاهر: سوسة بلدة بالمغرب، خرج منها محدثون وفقهاء وأدباء منهم: يحيى بن خالد السوسي مغربي، يحدث عن عبد الله بن وهب، كذا ذكره ابن يونس، وصديقنا الأديب أبو الحسن علي بن عبد الجبار بن الزيات المنشئ مليح الكلام في النظم والنثر، قدم الشرق وأقام بدمشق مدة ثم قدم الموصل وأقام بها بالمدرسة ينسخ، وهو كيس لطيف حافظ للاخبار والاشعار سلس اللسان، أنشدني لنفسه وكتب لي بخطه:
لا تعتبن شيئا ألم بلمتي، إن المشيب غبار معترك الصبا وغير ذلك، وقيل: من القيروان إلى سوسة ستة وثلاثون ميلا، وهي مدينة قد أحاط بها البحر من ثلاث نواح: من الشمال والجنوب والشرق، سورها صخر حصين منيع يضرب فيه البحر، وبها منار يعرف بمنار خلف الفتى ولها ثمانية أبواب، وبها الملعب، وهو بنيان عظيم بناه الأول له أقباء مرتفعة واسعة معقودة بحجر النشفة الخفيف الذي يطفو على رأس الماء المجلوب من ناحية صقلية وحوله أقباء كثيرة يفضي بعضها إلى بعض، وهي مدينة مرخصة كثيرة الخير، وكان معاوية بن حديج قد بعث إليها بعبد الله بن الزبير في جمع كثيف، وكان بلغه أن ملك الروم أنفذ إليها بطريقا يقال له نقفور في ثلاثين ألف مقاتل فنزل بذلك الساحل، فنزل عبد الله شرفا عاليا ينظر منه إلى البحر بينه وبين سوسة اثنا عشر ميلا، فلما بلغ ذلك نقفور رجع في مراكبه وأخلى ذلك الساحل فنزل عبد الله بن الزبير في جيشه حتى بلغ البحر ونزل على باب مدينة سوسة ونزل عن فرسه وصلى بالناس صلاة العصر والروم يتعجبون من قلة اكتراثه بهم فزحفوا إليه وهو مقبل على صلاته حتى فرغ منها، فركب وشد عليهم فهزمهم حتى حجزهم في مدينتهم وعاد عنهم، وما زالت مدينة سوسة ممتنعة بأهلها، وحاصرها أبو يزيد مخلد بن كيداد الخارجي شهورا ثم انهزم عنها وكان عليها في ثمانين ألفا، وفى ذلك يقول سهم بن إبراهيم الوراق:
إن الخوارج صدها عن سوسة منا طعان السمر والاقدام وجلاد أسياف تطاير دونها في النقع دون المحصنات الهام وقال أحمد بن صالح السوسي:
ألم بسوسة وبغى عليها، ولكن الاله لها نصير مدينة سوسة للغرب ثغر، تدين لها المدائن والقصور لقد لعن الذين بغوا عليها كما لعنت قريظة والنضير أعز الله خالق كل شئ بسوسة بعد ما التوت الأمور ولولا سوسة لدهت دواهي يشيب لهولها الطفل الصغير سيبلغ ذكر سوسة كل أرض، ويغشى أهلها العدد الكثير والخروج إلى القيروان من سوسة على الباب القبلي