الفقه يتيسر حصول اليقين بالنسبة إلى آحاده، إلا أنه بالنسبة إلى المجموع لا يتيسر، بل لا يمكن، وترجيح خصوص مقام على آخر من غير مرجح شرعي مما لا يمكن، والتزام تحصيل اليقين مهما تيسر بعنوان الوجوب ربما يوجب العسر والحرج أيضا، بل لعله لا يمكن، لعدم إمكان معرفة خصوص حد الواجب الذي على تركه العقاب بحيث لا يحتمل الزيادة والنقيصة أصلا ورأسا، حتى يراعى في العمل، و في المقام تحصيل امتثال الواجب، فلا يدري عادة أنه أيه يختار، وأيه لا يختار، وأي حد منه صار حرجا منفيا وأي حد لم يصر، والتزام المقدمات لحصول ذلك الحد يوجب العسر والحرج بلا شبهة.
وبالجملة: ذلك أيضا ربما ينافي الملة السمحة السهلة. لكن مع هذا يأمرون بالاحتياط استحبابا، ويبالغون، ولذا طريقتهم في الفقه أنهم يقولون: الأقرب كذا، والأحوط كذا، وأمثال هذه العبارة.
فإن قلت: الاحتياط كيف يتحقق هنا؟ لان جمعا منهم يقولون بحرمة الجهة، ودليلهم يقتضيها.
قلت: يقولون بحرمتها على من وافقهم رأيه، وإلا فهم متفقون على أن كل مجتهد مكلف بما ادعى إليه اجتهاده، وكذا مقلده، ومتفقون على أن المجتهد المتحير يجب عليه وعلى مقلده الجمع بينهما كما عرفت، وكذا من لم يجتهد ولم يقلد بمقتضى ما عرفت من البراهين، و متفقون على حسن الاحتياط على المجتهد المعول على ظنه مهما أمكنه.
وما ذكرت من أن دليلهم يقتضيها.
ففيه: أن احتمال الحرمة إنما هو من المقام الأول وهو مقام ثبوت التكليف، والثاني: مقام الخروج عن العهدة كما ذكرت في أول الفائدة.
وجميع الفقهاء متفقون، على أنه ما لم يتم الحجة لم يحرم شئ، ولم يكن