ويصرفه في غير مصرفه.
وأعجب من هذا أنهم يصرفون عمرهم في الرياضي والحساب، و أمثال ذلك، ويعتذرون أنه ربما يكون له نفع للفقه. وربما يشرعون في الفقه في أواخر عمرهم، وبحسب العادة يصعب حصول معرفة صنعة، أو علم في أواخر العمر، وسيما إذا تشوش الذهن بسبب أنسه بالاحتمالات والاعتراضات الحكمية والكلامية وغيرها، ولذا ربما يتكلمون بكلمات يشمئز منها الفقيه غاية الاشمئزاز. ولعدم أنسهم بطريقة الفقاهة يعترضون على أدلة الفقه بأي احتمال يكون، فلا يكاد يثبت عندهم مسألة فقهية، ومدارهم في عملهم، وفتواهم لغيرهم على قول الفقهاء، وعدم الخروج عنه.
وأيضا لا بد من صرف مدة من العمر في تهذيب الأخلاق، لما عرفت من اشتراط القوة القدسية. ولأن (العلم نور يقذفه الله في قلب من يشأ) (1) سيما الفقه، والنور لا يقذف في قلب ردي، مع أنه لو قذف فنعوذ بالله من العالم الردي، فإنه شر الناس بعد (فرعون) و (شداد) وفلان وفلان، وإنه من الصادين عن سبيل الله، وقطاعي الطريق إليه تعالى.
وصرف العمر فيما ذكر من العلوم يمنع عن التهذيب، بل وربما يورث القساوة كما ورد في الحديث في معرفة النحو، ونشاهد في غيرها، مع أن تهذيب الأخلاق من أوجب الأشياء كما لا يخفى.