عليهما سائر الحواس.
وطريق معرفة الاعوجاج: العرض على أفهام الفقهاء و اجتهاداتهم فإن وجد فهمه واجتهاده وافق طريقة الفقهاء، فليحمد الله، ويشكره، وإن وجده مخالفا فليتهم نفسه، كما أن من رأي الأشياء خضرا - فيقول له أولو الابصار السليمة: ليس فيها خضرة - يجزم بأن عينه مئوفة مغشوشة.
لكن ربما يلقي الشيطان في قلوبهم: أن موافقة الفقهاء تقليد لهم، وهو حرام ونقص فضيلة، فلا بد من المخالفة حتى يصير الانسان مجتهدا فاضلا.
ولا يدري أن هذا غرور من الشيطان، وأن حاله حينئذ حال ذي العين المئوفة، أو الذائقة المئوفة، أو غير ذلك حين ما قالوا له: ليس هاهنا خضرة أو مرارة أو غير ذلك، فيقول لهم: أنا أرى خضرة ولا أقلدكم فأفعل الحرام، وتكونون أفضل مني.
الثاني: أن لا يكون رجلا بحاثا، في قلبه محبة البحث والاعتراض و الميل إليه، متى ما سمع شيئا يشتهي أن يعترض: إما حبا لاظهار الفضيلة، أو انه مرض قلبي كالكلب العقور، كما نشاهد الحالين في كثير من الناس، ومثل هذا القلب لا يكاد يهتدي، ولا يعرف الحق من الباطل بل ربما رأينا بعض الفضلاء الزاهدين البالغين أعلى درجة الفضل والزهد فسد عليه بعض أصول دينه، فضلا عن الفروع بسبب هذه الخصلة الذميمة.
الثالث: أن لا يكون لجوجا عنودا، فإنا نرى كثيرا من الناس - إذا حكموا بحكم في بادي نظرهم، أو تكلموا بكلام غفلة أو تقليدا، أو من شبهة سبقت إليهم - أنهم يلجون، ويكابرون، ومن قبيل الغريق يتشبثون بكل حشيش، للتتميم والتصحيح، وليس همتهم متابعة الحق، بل جعلوا الحق تابع قولهم.