2 - النزعة الأخبارية المتطرفة. حتى أن الطالب الديني في مدينة كربلا خاصة أصبح يجاهر بتطرفه ويغالي فلا يحمل مؤلفات العلماء الأصوليين إلا بمنديل خشية أن تنجس يده من ملامسة حتى جلدها الجاف وكربلا يوم ذاك أكبر مركز علمي للبلاد الشيعية.
إن القرن الثاني عشر هو قرن فتور الروح العلمية إلى حد بعيد.
وأغلب الظن إن أهم الأسباب لهذا الفتور العلمي وطغيان نزعة التصوف والنزعة الأخبارية هو الوضع السياسي والاجتماعي اللذان آلت إليهما البلاد الاسلامية في ذلك القرن من نحو التفكك واختلال الامن في جميع أطراف البلاد، والحروب الطاحنة بين الامراء و الدول، لا سيما بين الحكومتين الإيرانية والعثمانية وبين الإيرانية و الأفغانية. تلك الحروب التي اصطبغت على الأكثر بصبغة مذهبية، و هذا كله مما يسبب البلبلة في الأفكار والاتجاهات، وضعف الروح العامة المعنوية.
فأوجب ذلك من جهة ضعف ارتباط رجال الدين بالحياة الواقعية و السلطات الزمنية ويدعو ذلك عادة إلى الزهد المغالي في جميع شؤون الحياة، واليأس من الاصلاح، فتنشأ هنا نزعة التصوف، وتتخذ حينذاك صرحا علميا على إنقاض الفلسفة الاشراقية الاسلامية المطاردة المكبوتة، التي سبق أن دعا لها أنصار أقوياء كالمولى صدر الدين الشيرازي المتوفى عام 1050 وأضرابه وأتباعه، مع المغالاة في أفكارها. وساند طريقة التصوف مبدئيا أن السلطة الزمنية في إيران وهي سلطة الصفوية قامت على أساس الدعوة إلى التصوف، وظلت تؤيدها وتمدها سرا.
ومن جهة أخرى حدث رد فعل لهذا الغلو، فأنكر على الناس أن يركنوا إلى العقل وتفكيره، والتجأ إلى تفسير التعبد بما جاء به الشارع