المقدس بمعنى الاقتصار على الأخبار الواردة في الكتب الموثوق بها في كل شئ، والجمود على ظواهرها، ثم دعا الغلو بهؤلاء إلى ادعاء أن كل تلك الأخبار مقطوعة الصدور على ما فيها من اختلاف، ثم اشتد بهم الغلو، فقالوا بعدم جواز الاخذ بظواهر القرآن وحده، من دون الرجوع إلى الأخبار الواردة، ثم ضربوا بعد ذلك علم الأصول عرض الجدار، بادعاء أن مبانيه كلها عقلية لا تستند إلى الاخبار، والعقل أبدا لا يجوز الركون إليه في كل شئ، ثم ينكرون الاجتهاد وجواز التقليد. وهكذا تنشأ فكرة الأخبارية الحديثة التي أول من دعا إليها أو غالى في الدعوة إليها (المولى أمين الدين الاسترآبادي) المتوفى 1033 ثم يظهر آخر شخص لهذه النزعة له مكانته العلمية المحترمة في الفقه هو (صاحب الحدائق) وهذا الثاني - وإن كان أكثر اعتدالا من الأول وأضرابه - كاد أن يتم على يديه تحويل الاتجاه الفكري بين طلاب العلم في كربلا إلى اعتناق فكرة الأخبارية هذه. وعند ما وصلت هذه الفكرة الأخبارية إلى أوجها، ظهر في كربلا علم الاعلام الشيخ الوحيد الآقا البهبهاني الذي قيل عنه بحق: مجدد المذهب على رأس المائة الثالثة عشر.
فإن هذا العالم الجليل كان لبقا مفوها ومجاهدا خبيرا، فقد شن على الأخبارية هجوما عنيفا بمؤلفاته وبمحاججاته الشفوية الحادة مع علمائها - وقد نقل في بعض فوائده الحائرية ورسائله نماذج منها - و بدروسه القيمة التي كان يلقيها على تلامذته الكثيرين الذين التفوا حوله، وعلى يديه كان ابتدأ تطور علم الأصول الحديث و خروجه عن جموده الذي ألفه عدة قرون، واتجه التفكير العلمي إلى ناحية جديدة غير مألوفة، فانكمشت في عصره النزعة الأخبارية على نفسها، ولم تستطع أن تثبت أمام قوة