قوله: (وكان محمد بن الحسن بن الوليد...).
هذا اجتهاد منه وليس بحجة على غيره، والحسن بن الحسين اللؤلؤي منهم، وقد وثقه النجاشي وقال: إنه ثقة كثير الرواية (1)، وفيما بين المشايخ والرؤساء عبارات واصطلاحات حادثة بحسب ما اعتقدوا حسن اعتبارها، ولم يكن أمثال هذه الاصطلاحات فيما بين السلف وأصحاب الكتب، وأعجبني أن أذكر هناك إشارة إلى كيفية الأمر فيما بين الأصحاب أولا وآخرا.
اعلم أن قريبا إلى زمان الصادق (عليه السلام) كان الأمر على السؤال والعمل به، وعلى الندرة اتفق تدوين كتاب، ويؤيده حديث دعائم الإسلام في ترجمة عيسى بن السري، وفي ترجمة عبيد الله بن علي: وهو أول كتاب صنفه الشيعة، إلى أن آل الأمر إلى زمان الصادق (عليه السلام) وكثرت الشيعة وتفرقت، فوقع لرؤساء الشيعة تدوين الأصول والكتب والرسائل والمسائل، وكان العمل على رواياتها من غير نكير، ولم يكن فيما بينهم استيعاب القراءة والرواية كما شاع أخيرا فيما بينهم.
إلى أن آل الأمر إلى قريب الغيبة الصغرى وكثرت الشيعة في الأطراف وتفرقت الكتب وتغيرت في الجملة عرف زمان السابق واللاحق، فاحتاجوا إلى بيان، فظهرت المشايخ وحدثت القراءة عليهم، ووضعت الرؤساء والمشايخ في ذلك - بحسب آرائهم وما هو الأنسب والمستحسن عند آرائهم - قواعد في الرواية عنهم وكيفية الرواية والقراءة للكتب.
وكانوا يبحثون عن الروايات بحسب الأسانيد كما في ترجمة وهب بن جميع، ومنها ما يقبل ومنها ما يرد، ويذكرون رجال الأسناد وأحوالهم وآراءهم، وزاد الأمر في ذلك قليلا قليلا إلى قريب من تدوين الكتب الأربعة، وكان أمر المشايخ واهتمامهم مصروفا في الإسناد والتنبيه عند الرواية عن حال الرجال كقولهم: فلان حاله كذا، وفلان ضعيف ورأيه فاسد، وشيخي فلان سيئ الرأي بفلان، وكان شيخي فلان لا أستحل أن يروي رواياته وكتابه، ولا استحل روايته عني، وردوا رواية فلان عني فإني لا أستحل روايته حين حياتي، وما تفرد فلان برواية فلان لا أجيز روايته، والعصابة اجتمعت على تصحيح ما يصح فلان، وإن فلانا شريك رواية فلان فيقبل ما لا يتفرد به، وفلان في هذه الرواية ضعيف إلا أن روايته مذكورة في الكتاب الفلاني ويريد أن ضعفه بذلك منجبر، والرواية مذكورة في روايات فلان أو كتاب فلان أو لا يطيب النفس من روايات فلان إلا أن يرويه عن كتاب فلان... ونحو ذلك من الاستحسانات الموافقة لآرائهم واجتهاداتهم مما لا ينفك الرؤساء عن الاهتمام به.