على هذه الصورة كان البحث الأصولي يخوض بذكاء وعمق في درس المشاكل الفلسفية متحررا من سلطان الفلاسفة التقليديين وهيبتهم. وعلى هذا الأساس تناول علم الأصول جملة من قضايا الفلسفة والمنطق التي تتصل بأهدافه، وأبدع فيها إبداعا أصيلا لا نجده في البحث الفلسفي التقليدي، ولهذا يمكننا القول بأن الفكر الذي أعطاه علم الأصول في المجالات التي درسها من الفلسفة والمنطق أكثر جدة من الفكر الذي قدمته فلسفة الفلاسفة المسلمين نفسهم في تلك المجالات.
وفيما يلي نذكر بعض الحقول التي أبدع فيها الفكر الأصولي (1):
1 - في مجال نظرية المعرفة، وهي النظرية التي تدرس قيمة المعرفة البشرية ومدى إمكان الاعتماد عليها، وتبحث عن المصادر الرئيسية لها.
فقد امتد البحث الأصولي إلى مجال هذه النظرية وانعكس ذلك في الصراع الفكري الشديد بين الأخباريين والمجتهدين الذي كان ولا يزال يتمخض عن أفكار جديدة في هذا الحقل، وقد عرفنا سابقا كيف أن التيار الحسي تسرب عن طريق هذا الصراع إلى الفكر العلمي عند فقهائنا، بينما لم يكن قد وجد في الفلسفة الأوروبية إلى ذلك الوقت.
2 - في مجال فلسفة اللغة فقد سبق الفكر الأصولي أحدث اتجاه عالمي في المنطق الصوري اليوم، وهو اتجاه المناطقة الرياضيين الذين يردون الرياضيات إلى المنطق والمنطق إلى اللغة، ويرون أن الواجب الرئيسي على الفيلسوف أن يحلل اللغة ويفلسفها بدلا عن أن يحلل الوجود الخارجي ويفلسفه. فإن المفكرين الأصوليين قد سبقوا في عملية التحليل اللغوي،