وبالذات، وإلى المعنى تنزيلا ثانيا وبالعرض (1) فإذا أوجد المتكلم اللفظ لأجل استعماله في المعنى فكأنما أوجد المعنى وألقاه بنفسه إلى المخاطب. فلذلك يكون اللفظ ملحوظا للمتكلم - بل للسامع - آلة وطريقا للمعنى وفانيا فيه وتبعا للحاظه، والملحوظ بالأصالة والاستقلال هو المعنى نفسه.
وهذا نظير الصورة في المرآة، فإن الصورة موجودة بوجود المرآة، والوجود الحقيقي للمرآة، وهذا الوجود نفسه ينسب إلى الصورة ثانيا وبالعرض. فإذا نظر الناظر إلى الصورة في المرآة فإنما ينظر إليها بطريق المرآة بنظرة واحدة هي للصورة بالاستقلال والأصالة وللمرآة بالآلية والتبع. فتكون المرآة كاللفظ ملحوظة تبعا للحاظ الصورة وفانية فيها فناء العنوان في المعنون (2).
وعلى هذا، لا يمكن استعمال لفظ واحد إلا في معنى واحد، فإن استعماله في معنيين مستقلا - بأن يكون كل منهما مرادا من اللفظ كما إذا لم يكن إلا نفسه - يستلزم لحاظ كل منهما بالأصالة، فلابد من لحاظ اللفظ في آن واحد مرتين بالتبع، ومعنى ذلك اجتماع لحاظين في آن واحد على ملحوظ واحد - أعني به اللفظ الفاني في كل من المعنيين - وهو محال بالضرورة، فإن الشئ الواحد لا يقبل إلا وجودا واحدا في النفس في آن واحد.
ألا ترى أنه لا يمكن أن يقع لك أن تنظر في مرآة واحدة إلى صورة تسع المرآة كلها وتنظر - في نفس الوقت - إلى صورة أخرى تسعها أيضا، إن هذا لمحال. وكذلك النظر في اللفظ إلى معنيين، على أن يكون كل