وقد اختلف الأصوليون في مثل هذا الأمر أنه هل هو ظاهر في الوجوب، أو ظاهر في الإباحة، أو الترخيص فقط - أي رفع المنع فقط من دون التعرض لثبوت حكم آخر من إباحة أو غيرها - أو يرجع إلى ما كان عليه سابقا قبل المنع؟ على أقوال كثيرة.
وأصح الأقوال هو الثالث وهو دلالتها على الترخيص فقط.
والوجه في ذلك: أنك قد عرفت أن دلالة الأمر على الوجوب إنما تنشأ من حكم العقل بلزوم الانبعاث مالم يثبت الإذن بالترك. ومنه تستطيع أن تتفطن أنه لا دلالة للأمر في المقام على الوجوب، لأ أنه ليس فيه دلالة على البعث وإنما هو ترخيص في الفعل لا أكثر.
وأوضح من هذا أن نقول: إن مثل هذا الأمر هو إنشاء بداعي الترخيص في الفعل والإذن به، فهو لا يكون إلا ترخيصا وإذنا بالحمل الشايع. ولا يكون بعثا إلا إذا كان الإنشاء بداعي البعث. ووقوعه بعد الحظر أو توهمه قرينة على عدم كونه بداعي البعث، فلا يكون دالا على الوجوب. وعدم دلالته على الإباحة بطريق أولى، فيرجع فيه إلى دليل آخر من أصل أو أمارة.
مثاله قوله تعالى: * (وإذا حللتم فاصطادوا) * (1) فإنه أمر بعد الحظر عن الصيد حال الإحرام، فلا يدل على وجوب الصيد.
نعم لو اقترن الكلام بقرينة خاصة على أن الأمر صدر بداعي البعث أو لغرض بيان إباحة الفعل، فإنه حينئذ يدل على الوجوب أو الإباحة.
ولكن هذا أمر آخر لا كلام فيه، فإن الكلام في فرض صدور الأمر بعد الحظر أو توهمه مجردا عن كل قرينة أخرى غير هذه القرينة.
* * *