وثانيا ليس كل مجاري الحجج والأدلة والطرق (الأمارات) من باب الظن، ولا كل مجاري الأصول العملية من موارد الشك.
فقد يكون المكلف شاكا بالحكم، ولكن يقوم لديه دليل معتبر شرعا، فيكون حجة عليه في الحكم الواقعي. ولا يجري فيه الأصل.
وقد يكون ظانا بالحكم الشرعي، ولكن لا يقوم لديه دليل معتبر شرعا على حجية الطريق الظني، فيكون هذا المورد من مجاري الأصول العملية.
وعليه، فإن تثليث الأقسام بالطريق الذي ذكره الشيخ (رحمه الله) لا يخلو عن مناقشة، وإن كان التفكيك بين الأمارات والأصول (الأدلة الفقاهتية والأدلة الاجتهادية)، على النهج الذي ذكره الشيخ (رحمه الله) انطلاقا من هذا التقسيم هو الصحيح، وهو الأساس الأول للمدرسة الحديثة في علم الأصول.
منهج المحقق الخراساني:
وناقش المحقق الخراساني هذا التقسيم لأن الظن ليس دائما المساحة المخصصة للرجوع إلى الطرق والأمارات، كما أن الشك ليس دائما المساحة المخصصة للرجوع إلى الأصول العملية. فقد يرجع المكلف في مورد الظن إلى الأصول العملية لعدم وجود طريق معتبر، كما قد يرجع في مورد الشك إلى الأمارات لوجود طريق معتبر من ناحية الشارع، ولذلك فقد اقترح المحقق الخراساني (رحمه الله) تثليث الأقسام بالطريقة التالية: " فالأولى أن يقال: إن المكلف إما أن يحصل له القطع أو لا، وعلى الثاني إما أن يقوم عنده طريق معتبر أو لا ".
وفي هذا التقسيم يكون المعيار في الرجوع إلى الطرق والأمارات الطريق المعتبر، وإن كان المورد موردا للشك، ويكون المعيار للرجوع إلى الأصول العملية عدم وجود طريق معتبر من ناحية العقل أو الشرع، وإن كان المورد موردا للظن.
ملاحظة على منهجية المحقق صاحب الكفاية:
وهذه المنهجية سليمة ولا تنقص من قيمتها العلمية المناقشة التي ذكرها