التخصيص بالأول فهو حقيقة دون ما كان بالثاني (1) وقيل: بالعكس (2).
والحق عندنا هو القول الثاني، أي أنه حقيقة مطلقا.
الدليل: إن منشأ توهم القول بالمجاز أن أداة العموم لما كانت موضوعة للدلالة على سعة مدخولها وعمومه لجميع أفراده، فلو أريد منه بعضه فقد استعملت في غير ما وضعت، فيكون الاستعمال مجازا. وهذا التوهم يدفع بأدنى تأمل، لأ أنه في التخصيص بالمتصل كقولك - مثلا -:
" أكرم كل عالم إلا الفاسقين " لم تستعمل أداة العموم إلا في معناها، وهي الشمول لجميع أفراد مدخولها، غاية الأمر أن مدخولها تارة يدل عليه لفظ واحد مثل " أكرم كل عادل " واخرى يدل عليه أكثر من لفظ واحد في صورة التخصيص، فيكون التخصيص معناه: أن مدخول " كل " ليس ما يصدق عليه لفظ " عالم " مثلا بل هو خصوص " العالم العادل " في المثال.
وأما " كل " فهي باقية على مالها من الدلالة على العموم والشمول، لأ نهى تدل حينئذ على الشمول لكل عادل من العلماء، ولذا لا يصح أن يوضع مكانها كلمة " بعض " فلا يستقيم المعنى لو قلت: " أكرم بعض العلماء إلا الفاسقين " وإلا لما صح الاستثناء. كما لا يستقيم لو قلت: " أكرم بعض العلماء العدول " فإنه لا يدل على تحديد الموضوع كما لو كانت " كل " والاستثناء موجودين.
والحاصل: أن لفظة " كل " وسائر أدوات العموم في مورد التخصيص لم تستعمل إلا في معناها، وهو الشمول.