المتقدم عنهم في بحث المشتق بالقياس إلى الأمثلة المذكورة، التي منها المتكلم ولا ريب أن طريقه لا ينحصر في هذا التكلف، لوضوح دفع احتجاجهم بمنع كون مبادئ تلك المشتقات قائمة بغير الذوات التي هي صادقة عليها، بل هي قائمة بنفس تلك الذوات، بملاحظة أن القيام قد يكون صدوريا وقد يكون حلوليا وقد يكون تعلقيا.
والمعتبر في صدق المشتق هو القسم الأول الذي هو حاصل بالقياس إلى الذوات، ضرورة أن محل صدور الأصوات والحروف ذات المتكلم، والذي يحصل في الهواء هو القيام الحلولي، ومحل صدور حدث الضرب والخلق هو ذات الضارب والخالق، والذي يحصل في المضروب والمخلوق قيام تعلقي.
فلو قيل: إن ذلك لا يجري في المتكلم بالقياس إلى البارئ تعالى، إما لأن صدور الصوت لابد فيه من جارحة وهو مقطع الفم ولا جارحة له، أو لأن الصوت من جملة الحوادث التي ليس البارئ تعالى محلا لها.
لقلنا: بمنع كون المبدأ في المتكلم كالخالق من الحالات بل هو من الملكات، فيراد بالمتكلم من يقدر على إيجاد الصوت، كما أن المراد من الخالق من يقدر على الخلق.
ولا ريب أنه بهذا المعنى صادق عليه تعالى على وجه الحقيقة، ولو سلم أنه من قبيل الحالات لتوجه المنع إلى كون إطلاقه عليه تعالى ناظرا إلى معناه اللغوي الحقيقي، لجواز ابتنائه على ضرب من التجوز، فيراد به الذي يوجد الكلام ولو في الأجسام الخارجية، على قياس ما هو الحال في إطلاق " الرحمن " و " الرحيم " وغيره من كثير الصفات الجارية عليه، وكون الإطلاق عليه على وجه الحقيقة - على فرض تسليمه - لا ينافي ابتناءه على المجاز باعتبار اللغة، لجواز طرو النقل عرفا بالقياس إلى المتشرعة أو الفرقة الكلامية، فلا يلزم بمجرد ذلك كون الكلام في العرف واللغة حقيقة في غير المؤلف من الأصوات.
نعم لو أريد بالحقيقة ما يكون كذلك في مصطلحهم فلا مشاحة، وليس للمعتزلة حينئذ أن ينازعوهم في أمر راجع إلى اصطلاحهم.