ومنها: كون الأول أمرا نسبيا بين شيئين المريد والمراد، وكون الثاني أمرا نسبيا بين أشياء ثلاث، الطالب والمطلوب والمطلوب منه.
ومنها: كون الثاني مما يستدعي في انعقاده استعمال علاج، يتحقق معه فعل خارجي من خطاب أو إشارة أو كتابة أو نحوها، بخلاف الأول.
وبالجملة: بعدما بنى على التحقيق من وجود معنى نفساني آخر مغائر للإرادة والكراهة، فلا وجه لإنكار وجود ما يقع مصداقا للكلام النفسي.
فالأولى في دفع مقالتهم في إثباته أن ينظر في تشخيص ما هو محل الخلاف بينهم وبين المعتزلة، وبيان ما يقع موردا للنفي والإثبات الجاريين على لسان الفريقين، والذي يتراءى في بادئ الأمر لا يخلو عن احتمالات:
أحدها: كون النزاع إثباتا ونفيا راجعا إلى وجود ما يكون من المعاني النفسية مغائرا للعلم والإرادة والكراهة، فالأشاعرة يثبتونه والمعتزلة ينكرونه.
وثانيها: كونه راجعا إلى أمر لفظي، وهو تسمية المعنى النفسي المغاير للعلم والإرادة و الكراهة على تقدير ثبوته باتفاق الفريقين بالكلام عرفا، وصدقه عليه صدقا حقيقيا كصدقه على المؤلف من الأصوات والحروف وعدمه، فالأشاعرة يثبتونه والمعتزلة ينكرونه.
وثالثها: كونه راجعا إلى وجود هذا المعنى المسمى بالكلام بالقياس إلى الباري تعالى خاصة وعدمه، وهذا يتصور على وجهين:
الأول: دعوى أن الكلام بهذا المعنى لا يوجد إلا في حقه تعالى من باب قصر الصفة على الموصوف، فالمعتزلة ينكرونه إما لدعواهم وجوده في حق غيره تعالى أيضا، أو لدعواهم عدم وجوده في حقه تعالى أيضا.
الثاني: دعوى أنه لا يوجد في حقه تعالى إلا الكلام النفسي من باب قصر الموصوف على الصفة، فكونه متكلما معناه قيام المعنى بنفسه تعالى لا قيام الأصوات والحروف به، فالمعتزلة ينكرونه بدعوى: عدم انحصار كلامه تعالى في ذلك، أو دعوى: أنه لا يوجد منه تعالى إلا الكلام اللفظي، أو أن كونه متكلما معناه