أنه يوجد الأصوات والحروف ولو في الأجسام الخارجية من شجرة أو حصاة أو نحوهما، ولكن المستفاد من تتبع كلماتهم المنقولة مع ملاحظة ما سبق ذكره أن للأشاعرة على سبيل التحقيق دعاوي ثلاث:
الأولى: وجود ما يغائر العلم والإرادة والكراهة من الصفات النفسانية.
الثانية: كون الكلام حقيقة فيما يعم المؤلف من الأصوات والحروف، والمعنى القائم بالنفس المغاير للثلاث المذكورة على طريقة الاشتراك لفظا أو معنى.
الثالثة: كونه تعالى متكلما إنما هو بواسطة المعنى القائم بالنفس دون المؤلف من الأصوات والحروف.
ومنشأ كل هذه الاختلافات الحاصلة بين الفريقين - حسبما يقتضيه التتبع - ما وقع بينهما في مباحث المشتق من الخلاف في اشتراط قيام المبدأ بمن يصدق عليه المشتق في صدقه عليه وعدمه، فالأشاعرة صاروا إلى الاشتراط فلا يصدق عندهم المشتق على غير من قام به المبدأ، وخالفهم المعتزلة فصاروا إلى عدم الاشتراط، محتجين بصدق المتكلم والضارب على الذات مع قيام مبدأ الأول وهو الصوت بالهواء وقيام مبدأ الثاني بالمضروب، وأيضا بصدق المتكلم والخالق عليه تعالى مع قيام الأصوات والحروف بالأجسام الخارجية وقيام الخلقة بالمخلوق، فتفصى عنه الأشاعرة بالنسبة إلى المتكلم، بمنع كون مبدئه هو الأصوات والحروف، بل المبدأ فيه هو الأمر النفساني وهو قائم بذات المتكلم، ولا يلزم الترادف بين المتكلم والعالم لمكان المغايرة بين العلم وهذا المعنى، وقضية ذلك كون الكلام الذي أشتق منه المتكلم حقيقة في هذا المعنى القائم بالنفس كما لا يخفى، فيلزم منه كون كلامه تعالى نفسيا، بل لازمه كون كلام كل متكلم نفسيا، بل ربما يستفاد من ذلك كون الكلام عندهم حقيقة خاصة في المعنى القائم بالنفس.
وكيف كان، فإن كان نزاعهم مع المعتزلة في الدعوى الأولى فالحق معهم، لما