ولكن قد يعكس الأمر، ويقال: بناء على تعريف " الفرعية " بما ذكر، باستناد خروج الأصولية الاعتقادية إلى قيد " التعلق " لعدم تعلق لها بالعمل أصلا، وخروج الأصولية العملية بالقيد الأخير، فيرجع الكلام في الفرق بين الأحكام الفرعية والأصولية الاعتقادية والأصولية العملية إلى أن يقال: أن الأصولية الاعتقادية لا تعلق لها بالعمل أصلا، والفرعية تتعلق به بلا واسطة، والأصولية العملية تتعلق به مع الواسطة.
والظاهر أن المراد بالواسطة المعبر انتفاؤها في الحكم الفرعي ووجودها في الأصلي العملي إنما هي الواسطة في العروض، فالأصلي العملي على هذا البيان وإن كان يعرض عمل المكلف ولكنه بواسطة في العروض، فحينئذ لابد في مفهوم الحكم الفرعي من اعتبار انتفاء الواسطة في العروض ليخرج به الأصلي العملي.
وينبغي النظر أولا، في صحة دعوى عروض الأصلي العملي بالعمل مع الواسطة وسقمها، ثم النظر - على تقدير صحة هذه الدعوى - إلى أنه هل يحتاج إلى اعتبار قيد " عدم الواسطة " في الفرعية، بحيث لولاه لأدى إلى خروج الحد غير مطرد أو لا يحتاج إليه، ليكون القيد المأخوذ فيه لمجرد التوضيح لا الاحتراز.
فنقول: أن الأصولية العملية لكونها في كلام القائل باعتبار القيد غير معلوم المراد تحتمل وجهين:
أحدهما: ما يجري في لسان القوم قبالا للأصول الاجتهادية، التي هي عبارة عن القواعد المعمولة في مقام الاجتهاد الذي يقصد منه العلم بانكشاف الواقع ولو ظنا والعمل بعده، كالأصول اللفظية وغيرها من مسائل أصول الفقه وغيرها من مبادئها لغوية وأحكامية.
فيراد بالعملية الأصول الأربع المعمولة في مقام الفقاهة، التي يقصد منها مجرد العمل، على معنى أن الأصولية بهذا المعنى ما يتعلق الحكم فيها بعمل المكلف بواسطة في العروض، كأصل البراءة مثلا حيث إنه أصل مقرر لعنوان ما لم يعلم حكمه بالخصوص، وحكمه نفي الوجوب أو الحرمة، ويتعدى هذا الحكم عن هذا