وأما الملازمة الثانية؛ فلأن الطلب القديم إما أن يكون متوجها إلى الطوائف المذكورة في أحوالهم الثلاث فيلزم تكليف ما لا يطاق، لعدم اقتدارهم في هذه الأحوال على الامتثال، أو لا فيلزم تغير القديم وهو محال، لأنه من لوازم الحادث، وأيضا فإن الجواب المذكور يبتني على ثبوت الكلام النفسي وكون كلامه تعالى نفسيا لا لفظيا وهو باطل.
أما أولا: فلقوله تعالى: ﴿وكلم الله موسى تكليما﴾ (١) حكاية عن تكلمه تعالى لموسى (عليه السلام) في الشجرة، فلو كان كلامه تعالى بالمعنى القائم بنفسه لم يكن لتخصيص إسناده إلى نفسه بموسى (عليه السلام) وجه، لتحقق الكلام بهذا المعنى منه تعالى بالقياس إلى سائر الأنبياء بوحي أو إلهام أو نحوه، فلابد وأن يكون وجه تخصيصه به لكون كلامه لفظيا، وهو منه إنما تحقق مع موسى (عليه السلام) خاصة، لأن الواقع في الخارج معه إنما هو الكلام بواسطة الأصوات والحروف.
وأما ثانيا: فلأنه لو كان كلامه تعالى نفسيا لزم أن لا يكون آمرا ولا ناهيا وهو باطل، لقوله تعالى: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر﴾ (2) وبيان الملازمة: أن كلا من الأمر والنهي طلب بالقول استعلاء، فالقول اللفظي مأخوذ في مفهوميهما، والمفروض أن كلامه ليس بلفظي فلا يصدر منه أمر ولا نهي.
وأما ثالثا: فلأن الكلام اللفظي على تفسيركم هو المؤلف من الحروف والأصوات، والنفسي مدلوله لكن لا من حيث حصوله في ذهن السامع بل من حيث قيامه بنفس المتكلم، وهو عندكم قديم مغائر للعلم والإرادة والكراهة.
وهذا مما لا يتعقل، لأن الكلام إذا كان خبرا لابد فيه من أمور ثلاث، العبارة الصادرة، وثبوت النسبة أو انتفائها في الواقع، والإذعان بثبوت النسبة أو انتفائها في الواقع، والأولان ليسا بكلام نفسي بالاتفاق، والأخير ليس إلا علما، فلم يبق