المتقدمة عليه عما هي ظاهرة فيه ويدفع عنها الحزازة بالنسبة إلى الفعل، لكنه لقصورها عن دفعها عنها بالقياس إلى الحرف موضع مناقشة، بعد ملاحظة ما ذكرناه من عدم انحصار المجاز اللاحق للحرف في التبعي.
الثانية: قد علم مما سبق أن الحقيقة والمجاز يستلزمان الوضع، فهما باعتبار انتسابهما إلى ما نسب إليه الواضع ينقسمان إلى أقسام، فالحقيقة إلى اللغوية والعرفية والشرعية، كما أن المجاز إلى اللغوي والعرفي والشرعي، فالحقيقة اللغوية على ما في كلامهم ما كان واضعه من أهل اللغة، وهل المعتبر فيها المعاني الأصلية المهجورة " كالدابة " المشتقة من الدبيب لكل ما يدب على الأرض و " القارورة " لما يستقر فيه الشئ، و " الغائط " للمكان المطمئن، أو المعاني الأصلية الثابتة كمعاني الأرض والسماء والماء، أو المعاني الأصلية مهجورة كانت أو ثابتة؟
والذي يستفاد من تضاعيف كلماتهم تعين الأخير، فيعتبر في الحقيقة اللغوية كون وضعها أصليا وإن لم يكن المعنى باقيا بالفعل، وهل المعتبر في الوضع الأصلي عدم كونه مسبوقا بوضع آخر أصلا. كما استظهره السيد في شرحه للوافية من كلام الأصوليين وعلماء البيان، أو المعتبر فيه أن لا يكون مسبوقا بجميع أوضاع اللفظ وإن تقدم عليه بعضها، كما استظهره فيه من بعضهم ثم استبعده بقوله:
وهو بعيد جدا وجهان أجودهما الثاني فالاستبعاد في محله، ضرورة أن الوضع المتأخر إن كان من أهل العرف فهو وضع جديد مقابل عندهم للوضع اللغوي على ما هو المصرح به في كلامهم، فكيف يكون اللفظ من جهته حقيقة لغوية.
وإن كان من أهل اللغة فهو أيضا وضع أصلي، إذ الوضع الأصلي ما لم يكن طارئا من غير أهل اللغة، ولا يعتبر فيه كونه واحدا فقد يتعدد ويكون اللفظ معه مشتركا لغويا، سواء حصل الوضعان في زمان واحد من شخص واحد، أو شخصين أو في زمانين من واحد أو اثنين، فأوضاع اللفظ لو أريد بها ما كانت بأجمعها من هذا القبيل فتخصيص الأصلي منها بما لم يكن مسبوقا بالجميع غير