ومن الأعلام (١) من تعرض لدفع الشبهة، بجعل الأحكام عبارة عن الخطابات المعلومة بديهة بالإجمال، والأدلة عبارة عن الخطابات المفصلة، فإنا نعلم بديهة أن لأكل الميتة وأكل الربا وغيرهما حكما من الأحكام، ولكن لا نعرفه بالتفصيل إلا من قوله تعالى: (وحرمت عليكم الميتة " (٢) و ﴿حرم الربا﴾ (3) وغير ذلك.
وفهم جماعة من متأخرينا عنه أن مقصوده ابداء الفرق بين المدلول ودليله بالإجمال والتفصيل، فالدليل هو الخطابات المفصلة والمدلول هو الخطابات المجملة، فكونهما خطابين لا يستلزم اتحادهما، لكفاية ما بينهما من الإجمال والتفصيل في التغائر.
فأوردوا عليه: بأن ذلك لا يلائم قيد " الأدلة التفصيلية " إذ مقتضى رجوعه إلى العلم كونه حاصلا من الأدلة التفصيلية.
ولا ريب أن العلم المأخوذ في الخطابات المعلومة بالإجمال حاصل من الأدلة الإجمالية كالبداهة ونحوها، لا من الأدلة التفصيلية، والحاصل منها علم تفصيلي لا إجمالي.
وأضاف إليه بعض الأفاضل (4): إن العلم بالخطابات على سبيل الإجمال ليس من الفقه في شئ، يعني أن المأخوذ في مسمى " الفقه " هو العلم بالخطابات على سبيل التفصيل لا الإجمال، فلا ينطبق الحد على المحدود.
وأنت خبير بما في هذين الإيرادين، من ابتنائهما على الاشتباه وعدم التعمق في فهم مقصود العبارة المذكورة، كيف وهما لا يتوجهان إليه إلا إذا فرض حمله " العلم " المأخوذ في جنس الحد - بعد جعله " الأحكام " عبارة عن المعلومات بالإجمال - على العلم الإجمالي، حتى يكون " الفقه " عبارة عن العلم على سبيل الإجمال بالمعلومات إجمالا الحاصل من الأدلة التفصيلية، فحينئذ يقال: عليه إن هذا العلم غير حاصل من الأدلة التفصيلية، وإن " الفقه " هو العلم بالخطابات على