وهو على ما أشرنا إليه حادث لحدوث شروطه، فإن التكليف الذي هو عبارة عما يجب امتثاله ويعاقب على مخالفته، عنوان يطرأ الطلب بسبب تعلقه بالمطلوب منه وحيث إن التعلق حادث لحدوث شروطه، فهو يقضي بحدوث عنوان التكليف الذي لم يكن قبله حاصلا، ولا يلزم من حدوثه كون مادة التكليف وهو المعنى القائم بالنفس أيضا حادثا.
وأما الجواب عن ثالث الاعتراضات: فيمكن أيضا بمنع صلاحية ما ذكر من الوجوه الثلاث لإبطال الكلام النفسي.
أما الأول منها: فلأنه لا دلالة في قوله [تعالى]: ﴿وكلم الله موسى تكليما﴾ (1) على نفي تكليمه تعالى لسائر الأنبياء حتى يخص ذلك بالكلام اللفظي، إذ ليس في الآية أداة حصر ولا ما ثبت له مفهوم من المفاهيم المعتبرة، ومجرد التعلق بالمفعول به ليس من أسباب الحصر، كما في " ضربت زيدا " إلا من باب مفهوم اللقب وهو غير حجة، فلا مانع من كون المراد بالتكليم المحكي الواقع فيما بينه تعالى وبين موسى توجيه المعنى القائم بالنفس إليه، وإن كان ذلك حاصلا بالقياس إلى سائر الأنبياء أيضا، ولا ينافيه وجود الأصوات والحروف في الشجرة إذا كان إيجادها منه تعالى من باب ضرب العلامة على توجيه الكلام النفسي إليه.
وأما الثاني منها: فلمنع الملازمة أولا، فإن أخذ اللفظ في مفهومي الأمر والنهي أمر خلافي عند الأصوليين، ولهم فيه - على ما سيأتي في مبحث الأمر - مذاهب متشتتة تعرفها مفصلة.
ومن المذاهب - وهو الحق - عدم اعتبار لفظ فيهما بوجه من الوجوه، ومن الجائز كون مبنى الكلام النفسي على هذا المذهب، ويؤيده: أن الحاجبي الذي هو من أهل هذا القول عرف الأمر: باقتضاء فعل غير كف على جهة الاستعلاء (2).