ما يكون مصداقا للكلام النفسي، وإذا كان إنشاء فلابد فيه من لفظ صادر ومن إرادة مضمونة في الأمر وكراهته في النهي، والكلام النفسي ليس بشئ منهما.
أما الأول: فلكونه لفظيا، وأما الثاني: فلمغائرته له على فرضكم، فأي شئ يصلح مصداقا؟
وأنت بعد التأمل تعرف أن هذه الوجوه لا وقع لشئ منها، فإن للأشاعرة أن يدفعوا الأول منها باختيار الثاني من شقي الترديد، من فرض عدم تحقق المطلوب منه في جميع أزمنة تحقق الطلب.
والقول بلزوم السفه حينئذ، يرده: أن السفه عبارة عما لا يقارنه قصد الغاية وترتبها، سواء قارنه العلم بعدم ترتبها أو الغفلة عن ترتبها رأسا، فإنه هو الذي يوجب تقبيح العقل وذم العقلاء، ولا يجدي في صحته ترتب الغاية في الخارج من باب الاتفاق، وأما ما قارنه قصد الغاية على وجه يكون معللا بها فيخرج به عن عنوان السفهية ويعد من أفعال العقلاء، سواء ترتب عليه الغاية المقصودة بحسب الخارج أو لم يترتب.
نعم يفرق في ذلك بين العالم بالعواقب وغيره، فإن المعتبر في صحة قصد الغاية من الثاني قيام احتمال ترتبها راجحا أو مرجوحا، بالغا مع الرجحان حد الجزم وعدمه، كما عليه مدار أمور العقلاء في معائشهم ومكاسبهم وأسفارهم ومكاتباتهم، بل لو تأملت في مجاري أفعالهم لوجدت أكثرها مبتنية على مجرد الاحتمال المرجوح، بخلاف الأول لكون المعتبر في صحة القصد والفعل منه علمه بترتبها، فإذا علم صح منه الأمران ولا يشترط فيه مقارنة الترتب لصدور الفعل، بل يكفي فيه الترتب خارجا، ولو بتراخي أزمنة متطاولة، وإلا لانتقض بإيجاد العالم وخلقة بني آدم المعلل بحصول المعرفة والطاعة، لعدم ترتبهما عليه إلا بعد فاصلة زمان كثير يستكمل فيه شرائط التكليف من العلم والقدرة والعقل والبلوغ، وعلى هذا فلم لا يجوز أن يكون الباري تعالى تحقق منه الطلب النفساني لغاية الامتثال حال عدم وجود المطلوب منه، لعلمه القديم بأنه سيوجد ويستكمل الشرائط فيمتثل؟