ولا المستعمل فيه وإلا لزم الدور، بملاحظة ما ذكرنا من توقف تلك الجهة على علم المخاطب بقيام المعنى بنفس المتكلم، ضرورة أن التعلق إذا كان متوقفا على العلم وهو موقوف على دلالة اللفظ التي تستدعي تقدم مدلوله عليها بالذات وفرض مدلوله الطلب المتعلق، المتوقف تعلقه على العلم المذكور، لزم توقف العلم على نفسه.
وإن شئت قلت: لزم كون العلم موجودا حال كونه معدوما، فإن كونه حاصلا بدلالة اللفظ يقتضي كونه مسبوقا بالدلالة معدوما قبل وجود الدال، ومقتضى كون التعلق المتوقف عليه جزء لمدلول اللفظ كونه سابقا على الدلالة لسبق المدلول عليها، فلزم كونه سابقا عليها حال كونه مسبوقا بها، وهذا معنى كونه موجودا حال كونه معدوما، فلابد وأن يفرض مدلول اللفظ الملحوظ حين الوضع أو الاستعمال شيئا معرى عما يتوقف على العلم المذكور، وليس إلا المعنى القائم بالنفس الذي متى تعلق بالمطلوب منه صار طلبا، سواء حصل التعلق بعد الخطاب بلا تراخي أو بتراخي زمان، فمدلول قوله: " أنت وزيد تفعلان كذا " ينعقد طلبا بالنسبة إلى المخاطب بمجرد صدور اللفظ، وبالنسبة إلى زيد الغائب حيث بلغه الخطاب، والفارق بينهما حصول العلم للمخاطب بالمعنى القائم بالنفس في زمان الخطاب، ولزيد في الزمان المتأخر، مع أن العلم بتعلق ما في النفس - الذي هو لازم لنفس التعلق - ما يحصل في المرتبة الثالثة من المراتب الثلاث المتقدم اعتبارها للكلام النفسي، فلا يعقل كون المستلزم له مدلولا للفظ باعتبار الوضع، لأنه كما عرفت مدلوله في المرتبة الأولى التي لا يفيد اللفظ فيها إلا حضور مدلوله اللغوي أو العرفي أو الشرعي في الذهن حضورا تصوريا، أو في المرتبة الثانية التي لا يفيد اللفظ مع انضمام المقدمات المشار إليها إلا التصديق بكون الحاضر في الذهن مرادا منه.
وبملاحظة ما ذكر أمكن الجواب عن التقرير الثاني من الاعتراض الأول: فإن الطلب وإن كان أمرا نسبيا، غير أنه يكفي في تحققه إضافته إلى المطلوب منه