إحداها: أنه يفيد تصور معاني ألفاظه مفردة ومركبة، وحضور تلك المعاني في ذهن السامع، فإنه بمجرد سماعه اللفظ يحضر عنده تلك المعاني حضورا تصوريا.
وثانيتها: أنه يفيد العلم أو الظن بالمراد من تلك المعاني الذي هو المعنى القائم بذهن المتكلم، فإن السامع إذا حضر عنده في المقام الأول معاني اللفظ - حقيقية ومجازية - يتوجه ذهنه إلى تعيين ما هو المراد منها، القائم بنفس المتكلم، فيحتاج في هذا المقام إلى إعمال مقدمات كثيرة سبق إليها الإشارة فإذا علم أو ظن بعد إعمالها في المثال المتقدم أن المراد منه الطلب الحتمي للصلاة بمعنى الأركان المخصوصة، يحرز به صغرى قياس آخر يوجب العلم أو الظن بتعلق ذلك الطلب بالسامع تعلقا تكليفيا وهذا هو الجهة الثالثة من الإفادة المتوقفة على إعمال مقدمات أخر، بعضها نتيجة القياس المنتظم في الجهة الثانية، وبعضها قضايا مأخوذة من الكلام مبتنية على وجوب شكر المنعم، الموجب لإطاعة المنعم الحقيقي فيما يأمره وينهاه.
ولا ريب أن الجهة الأولى هي التي لا يصدق معها على الكلام اللفظي عنوان الدليلية، لأنه من هذه الجهة سبب ضروري للتصور بل التصديق بصدور اللفظ من لافظه، والمعتبر في الدليل اصطلاحا كونه موصلا بالنظر إلى التصديق.
وأما الجهتان الأخريان فيصدق عليه باعتبارهما عنوان الدليلية، لكونه في كل منهما موصلا إلى التصديق بالنظر، لوضوح أنه في كل منهما يتوصل بصحيح النظر إلى مطلوب خبري.
الكلام النفسي وقضية كلام الأشاعرة اعتبار الكتاب دليلا على الكلام النفسي من الجهة الأولى من هاتين الجهتين، ويلزم من ذلك كون هذا العلم هو المأخوذ في حد " الفقه " وينبغي النظر في انطباقه على المحدود وعدمه، ويبتنى ذلك على النظر في أن العلم المأخوذ في ذلك هل المراد منه عندهم العلم بالمعاني القائمة بنفس الشارع، المبني على كون الأحكام عبارة عن الأمور النفس الأمرية مع قطع النظر عن تعلقها بالمكلف، أو العلم بالأمور المتعلقة بالمكلف تعلقا فعليا موجبا لترتب آثار التكليف عليه التي منها الثواب والعقاب.