ومن حكم بكونها منتزعة عن التكليف إن أراد به هذا المعنى ففي محله. وإن أراد أنها ليست إلا أمورا اعتبارية ومفاهيم صرفة تثبت بمجرد الاعتبار من غير أن يكون لها واقعية، نظير الكليات الفرضية فهو غير مستقيم، لضرورة كونها أمورا واقعية ثابتة في نفس الأمر وإن لم تكن مسبوقة بالجعل والوضع بالمعنى المتقدم.
وما كان منها من قبيل المعاملات، فهي عبارة عن الأسباب المعهودة المقررة في الشريعة من العقود والإيقاعات وغيرها مما يختلف في مظانها بحسب اختلاف مسبباتها، من انتقال عين أو منفعة أو بضع أو زوال زوجية أو رقية أو اشتغال ذمة أو ضمان أو نحو ذلك، ومعلوم أن السبب بالقياس إلى مسببه لابد فيما بينهما من ملازمة وعلقة سببية، وهي فيما بينهما - على ما قرر في محله ويأتي تفصيله في موضعه - تتصور على وجوه ثلاث:
أحدها: كونها عرفية على معنى كون ثبوتها منوطا بنظر أهل العرف، بكون السبب مما يتداولوه ويتعاطوه ترتيبا لمسببه المقرر عندهم، فأمضاه الشارع وقررهم على تعارفهم ورخص لتابعيه في استعماله واتخاذه توصلا إلى مسببه المتداول لدا أهل العرف.
وثانيها: كونها واقعية مستورة على أهل العرف، ثابتة فيما بينهما بحسب نفس الأمر، فاطلع عليها الشارع وكشف عنها بترخيصه لتابعيه، إيصالا لهم إلى المسبب الواقعي.
وثالثها: كونها جعلية منوطا ثبوتها باعتبار المعتبر، بحيث لولا اعتباره لكان السبب مع مسببه - لعراهما بالذات عن العلقة التي هي ربط بينهما - أجنبيين، على قياس ما هو الحال في الارتباطات الجعلية الثابتة في التعليقات، كما في قولك:
" إن جاءك زيد فأكرمه " حيث إن الربط فيما بين مجيء زيد ووجوب إكرامه أمر جعلي صرف، منوط بالاعتبار الذي لولاه لم يكن هذا سببا ولا ذاك مسببا.
ووجود هذا القسم في الشرعيات وإن لم يقم على امتناعه برهان من العقل والشرع، غير أنه لم ينهض أيضا دليل على ثبوته، لكنه لو ثبت كان قاضيا بمجعولية