إليه مقالة من يرى الأحكام الوضعية مجعولة، وأما تحقيقها على التفضيل استعلاما لأن النفي الذي صرنا إليه هل هو من باب السلب الكلي، أو السلب الجزئي الغير المنافي للإيجاب الجزئي، فيستدعي صرف النظر إلى ضبط الأحكام الوضعية إجمالا، وكلماتهم في ذلك مضطربة، حيث إن منهم من جعلها خمسة: السببية والشرطية والمانعية والصحة والفساد، وهم بين من أطلق في الأخيرين وبين من قيدهما بالمعاملات. ومنهم من أضاف إلى الخمس المذكورة " الرخصة " وهي المشروع لعذر مع قيام المحرم لولا العذر، كأكل الميتة للمضطر، وقصر الصلاة في السفر، و " العزيمة " وهي المشروع لا لعذر، كفعل مباح الأصل بالمعنى الأعم.
ومنهم من اقتصر على الثلاث الأولى، ومنهم من اقتصر عليها مع تبديل المانعية بالجزئية. ومنهم من اقتصر عليها أيضا مع إضافة " الرخصة " فقط إليها. ومنهم من اقتصر عليها أيضا مع إضافة " الجزئية " إليها دون " الرخصة ". ومنهم من عد من الأحكام الوضعية العلة والعلامة، وعن الشهيد أنه احتمل رجوع الأول من هذين إلى السبب، ورجوع ثانيهما إليه أو إلى الشرط. ومنهم من ذكر من الأحكام الوضعية " الحجة " كالبينة ونحوها. ومنهم من جعل منها بيان أن اللفظ الفلاني موضوع شرعا للمعنى الفلاني.
والراجح في النظر - وفاقا لغير واحد من أهل النظر - أنها غير محصورة في عدد كما يظهر بالتتبع في الشرعيات، فإن منها الضمان والولاية في أولياء الصغير والمجنون والحكومة في حكام الشرع والوارثية والمورثية والأقربية في الورثة والطهارة والنجاسة والمطهرية والمنجسية والرافعية والناقضية ونحوها، وإن كان بعض هذا المذكورات يرجع إلى الآخر، ثم السببية والجزئية والشرطية والمانعية وكذلك الصحة والبطلان ليست من مجعولات الشارع بضابطة ما ذكرناه والرخصة والعزيمة على فرض اندراجها في الأحكام الوضعية يرجعان إلى