أمر حادث يدفع عند الشك في حدوثه بأصل العدم، لأنه عبارة عن كون الصفة الموجودة في الشئ بحيث أوجدها موجد، بأن لاحظ ذلك الشئ بعنوانه الخاص على أنه ذلك الشئ فأوجد فيه تلك الصفة، بحيث لولا إيجاده لما كانت موجودة فيه، وهو الحق.
والذي يمكن الاحتجاج به على عدم الجعل بهذا المعنى - مضافا إلى الأصل - قضاء الوجدان الضروري بعدم الحاجة فيها إلى الجعل وكونها مما ينتزعها العقل، فإن من أراد الإلزام على إيجاد ماهية يلاحظها أولا مكيفة بكيفيات مخصوصة تحصل عن انضمام أمور بعضها إلى بعض، واقترانها بأمور أخر من حالة كذا أو جهة كذا وزمان كذا ومكان كذا ثم يطلبها أو يأمر لها على هذا الوجه، وحينئذ فإذا وقف عليها العقل بتلك الكيفية يحللها إلى الأمور المأخوذة معها، المحصلة للكيفية المذكورة، فيجدها أقساما.
منها: ما له مدخلية في أصل رجحانها، فيحصل له عنوان السببية.
ومنها: ما له مدخلية داخلية فيها، فيحصل له عنوان الجزئية.
ومنها: ما لوجوده مدخلية خارجية، فيحصل له عنوان الشرطية.
ومنها: ما لعدمه مدخلية خارجية فيحصل له عنوان المانعية، وهكذا.
فكل هذه المفاهيم صفات يدركها العقل بعد التحليل، ويكفي في حصولها لموصوفاتها مجرد تعلق ملاحظة الشارع بالعبادة على الكيفية التي لا تحصل إلا بالأمور الملحوظة معها، ومعه لا حاجة لها إلى ملاحظة أخرى ولا اعتبار مؤنة زائدة على ما في أصل العبادة من الملاحظة والجعل بالطلب، وهذا معنى كون الأحكام الوضعية من منتزعات العقل.
وأنت إذا لاحظت الأمثلة العرفية يتضح لك حقيقة ما ذكرناه غاية اتضاح.
ألا ترى أنه لو قال السيد لعبده: " إذا جاءك زيد فأضفه، وأحضر له إداما فيه كذا وكذا، في آنية كذا، في وقت كذا ومكان كذا " فينتقل العبد بعد التحليل إلى كون مجيء زيد سببا، وما يشتمل عليه الإدام جزءا، وكل من الآنية والوقت والمكان