الرجلين قدم عليهما في التلاوة - والله أعلم - لا أنهما مشتركان مع الرأس لتقدمه عليهما في صفة التطهير. وقد روى عاصم بن كليب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قرأ الحسن والحسين - رحمة الله عليهما - علي (وأرجلكم) فسمع علي ذلك وكان يقضي بين الناس فقال: (وأرجلكم) هذا من المقدم والمؤخر من الكلام. وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال: اغسلوا الاقدام إلى الكعبين. وكذا روي عن ابن مسعود وابن عباس أنهما قرآ (وأرجلكم) بالنصب. وقد قيل: إن الخفض في الرجلين إنما جاء مقيدا لمسحهما لكن إذا كان عليهما خفان، وتلقينا هذا القيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لم يصح عنه أنه مسح رجليه إلا وعليهما خفان، فبين صلى الله عليه وسلم بفعله الحال التي تغسل فيه الرجل والحال التي تمسح فيه، وهذا حسن. فإن قيل: إن المسح على الخفين منسوخ بسورة (المائدة) - وقد قاله ابن عباس، ورد المسح أبو هريرة وعائشة، وأنكره مالك [في رواية عنه] (1) - فالجواب أن من نفى شيئا وأثبته غيره فلا حجة للنافي، وقد أثبت المسح على الخفين عدد كثير من الصحابة وغيرهم، وقد قال الحسن: حدثني سبعون رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم مسحوا على الخفين، وقد ثبت بالنقل الصحيح عن همام قال: بال جرير ثم توضأ ومسح على خفيه، قال إبراهيم النخعي: وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه. قال إبراهيم النخعي: كان يعجبهم هذا الحديث، لان إسلام جرير كان بعد نزول (المائدة) وهذا نص يرد ما ذكروه وما احتجوا به من رواية الواقدي عن عبد الحميد ابن جعفر عن أبيه أن جريرا أسلم في ستة عشر من شهر رمضان، وأن (المائدة) نزلت في ذي الحجة يوم عرفات، وهذا حديث لا يثبت لوهاه، وإنما نزل منها يوم عرفة " اليوم أكملت لكم دينكم " على ما تقدم، قال أحمد بن حنبل: أنا أستحسن حديث جرير في المسح على الخفين، لان إسلامه كان بعد نزول (المائدة) وأما ما روي عن أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما فلا يصح، أما عائشة فلم يكن عندها بذلك علم، ولذلك ردت السائل إلى علي رضي الله عنه وأحالته عليه فقالت: سله فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث.
(٩٣)