وقرئ " ضللت " بفتح اللام وكسرها وهما لغتان. قال أبو عمرو [بن العلاء] (1): ضللت بكسر اللام لغة تميم، وهي قراءة [يحيى] (2) بن وثاب وطلحة بن مصرف، والأولى هي الأصح والأفصح، لأنها لغة أهل الحجاز، وهي قراءة الجمهور. وقال الجوهري: والضلال والضلالة ضد الرشاد، وقد ضللت أضل، قال الله تعالى: " قل إن ضللت فإنما أضل على (3) نفسي " [سبأ: 50] فهذه لغة نجد، وهي الفصيحة، وأهل العالية يقولون: ضللت بالكسر أضل.
قوله تعالى: قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين (57) قوله تعالى: (قل إني على بينة من ربي) أي دلالة ويقين وحجة وبرهان، لا على هوى، ومنه البينة لأنها تبين الحق وتظهره. (وكذبتم به) أي بالبينة لأنها في معنى البيان، كما قال: " وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه " [النساء: 8] على ما بيناه هناك (4). وقيل يعود على الرب، أي كذبتم بربي لأنه جرى ذكره. وقيل: بالعذاب. وقيل:
بالقرآن. وفي معنى هذه الآية والتي قبلها ما أنشده مصعب بن عبد الله بن الزبير لنفسه، وكان شاعرا محسنا رضي الله عنه:
أأقعد بعدما رجفت عظامي * وكان الموت أقرب ما يليني أجادل كل معترض خصيم * وأجعل دينه غرضا لديني فأترك ما علمت لرأي غيري * وليس الرأي كالعلم اليقين وما أنا والخصومة وهي شئ * يصرف في الشمال وفي اليمين وقد سنت لنا سنن قوام * يلحن بكل فج أو وجين (5) وكان الحق ليس به خفاء * أغر كغرة الفلق المبين