السابعة - قول الحالف: لأفعلن، وإن لم أفعل، بمنزلة الامر وقوله: لا أفعل، وإن فعلت، بمنزلة النهي. ففي الأول لا يبر حتى يفعل جميع المحلوف عليه: مثاله لآكلن هذا الرغيف فأكل بعضه لا يبر حتى يأكل جميعه: لان كل جزء منه محلوف عليه. فإن قال:
والله لآكلن - مطلقا - فإنه يبر بأقل جزء مما يقع عليه الاسم، لادخال ماهية الاكل في الوجود. وأما في النهي فإنه يحنث بأقل ما ينطلق عليه الاسم، لان مقتضاه ألا يدخل فرد من أفراد المنهي عنه في الوجود، فإن حلف ألا يدخل دارا فأدخل إحدى رجليه حنث، والدليل عليه أنا وجدنا الشارع غلظ جهة التحريم بأول الاسم في قوله تعالى: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم " (1) [النساء: 22]، فمن عقد على امرأة ولم يدخل بها حرمت على أبيه وابنه، ولم يكتف في جهة التحليل بأول الاسم فقال: [لا حتى تذوقي عسيلته].
الثامنة - المحلوف به هو الله سبحانه وأسماؤه الحسنى، كالرحمن والرحيم والسميع والعليم والحليم، ونحو ذلك من أسمائه وصفاته العليا، كعزته وقدرته وعلمه وإرادته وكبريائه وعظمته وعهده وميثاقه وسائر صفات ذاته، لأنها يمين بقديم غير مخلوق، فكان الحالف بها كالحالف بالذات. روى الترمذي والنسائي وغيرهما أن جبريل عليه السلام لما نظر إلى الجنة ورجع إلى الله تعالى قال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، وكذلك قال في النار:
وعزتك لا يسمع بها أحدا فيدخلها. وخرجا أيضا وغيرهما عن ابن عمر قال: كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم [لا ومقلب القلوب] وفى رواية [لا ومصرف القلوب] وأجمع أهل العلم على أن من حلف فقال: والله أو بالله أو تالله فحنث أن عليه الكفارة. قال ابن المنذر: وكان مالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وإسحق وأصحاب الرأي يقولون:
من حلف باسم من أسماء الله وحنث فعليه الكفارة، وبه نقول ولا أعلم في ذلك خلافا.
قلت: قد نقل (في باب ذكر الحلف بالقرآن)، وقال يعقوب: من حلف بالرحمن فحنث فلا كفارة عليه.
قلت: والرحمن من أسمائه سبحانه مجمع عليه ولا خلاف فيه.