فصار كمن لم يجن. ووجه آخر: فإنه أكل ناسيا على الصحيح من الأقوال، كما بيناه في " البقرة " (1) والناسي غير آثم ولا مؤاخذ.
الثالثة - تضمنت هذه الآية البيان عن حال الحاسد، حتى أنه قد يحمله حسده على إهلاك نفسه بقتل أقرب الناس إليه قرابة، وأمسه به رحما، وأولاهم بالحنو عليه ودفع الأذية عنه.
الرابعة - قوله تعالى: (فأصبح من الخاسرين) أي ممن خسر حسناته. وقال مجاهد: علقت إحدى رجلي القاتل بساقها إلى فخذها من يومئذ إلى يوم القيامة، ووجهه إلى الشمس حيثما دارت، عليه في الصيف حظيرة من نار، وعليه في الشتاء حظيرة من ثلج.
قال ابن عطية: فإن صح هذا فهو من خسرانه الذي تضمنه قوله تعالى: " فأصبح من الخاسرين " وإلا فالخسران يعم خسران الدنيا والآخرة.
قلت: ولعل هذا يكون عقوبته على القول بأنه عاص لا كافر، فيكون المعنى " فأصبح من الخاسرين " أي في الدنيا. والله أعلم.
قوله تعالى: فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين (31) فيه خمس مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض) قال مجاهد: بعث الله غرابين فاقتتلا حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر فدفنه. وكان ابن ادم هذا أول من قتل.
وقيل: إن الغراب بحث الأرض على طعمه (2) ليخفيه إلى وقت الحاجة إليه، لأنه من عادة الغراب فعل ذلك، فتنبه قابيل ذلك على مواراة أخيه. وروي أن قابيل لما قتل هابيل جعله في جراب، ومشى به يحمله في عنقه مائة سنة، قاله مجاهد. وروى ابن القاسم عن مالك (3)