جهل كيف يقتله فجاء إبليس بطائر - أو حيوان غيره - فجعل يشدخ رأسه بين حجرين ليقتدي به قابيل ففعل، قال ابن جريج ومجاهد وغيرهما. وقال ابن عباس وابن مسعود: وجده نائما فشدخ رأسه بحجر وكان ذلك في ثور - جبل بمكة - قاله ابن عباس. وقيل: عند عقبة حراء، حكاه محمد بن جرير الطبري. وقال جعفر الصادق: بالبصرة في موضع المسجد الأعظم.
وكان لهابيل يوم قتله قابيل عشرون سنة. ويقال: إن قابيل كان يعرف القتل بطبعه، لان الانسان وإن لم ير القتل فإنه يعلم بطبعه أن النفس فانية ويمكن إتلافها، فأخذ حجرا فقتله بأرض الهند. والله أعلم. ولما قتله ندم فقعد يبكي عند رأسه إذ أقبل غرابان فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر ثم حفر له حفرة فدفنه، ففعل القاتل بأخيه كذلك. والسوءة يراد بها العورة، وقيل: يراد بها جيفة المقتول، ثم إنه هرب إلى أرض عدن من اليمن، فأتاه إبليس وقال:
إنما أكلت النار قربان أخيك لأنه كان يعبد النار، فانصب أنت أيضا نارا تكون لك ولعقبك، فبنى بيت نار، فهو أول من عبد النار فيما قيل. والله أعلم. وروي عن ابن عباس أنه لما قتله وآدم بمكة اشتاك الشجر، وتغيرت الأطعمة، وحمضت الفواكه، وملحت المياه، واغبرت الأرض، فقال آدم عليه السلام: قد حدث في الأرض حدث، فأتى الهند فإذا قابيل قد قتل هابيل. وقيل: إن قابيل هو الذي انصرف إلى آدم، فلما وصل إليه قال له: أين هابيل؟ فقال: لا أدري كأنك وكلتني بحفظه. فقال له آدم: أفعلتها؟!
والله إن دمه لينادي، اللهم العن أرضا شربت دم هابيل. فروي أنه من حينئذ ما شربت أرض دما. ثم إن آدم بقي مائة سنة لم يضحك، حتى جاءه ملك فقال له: حياك الله يا آدم وبياك. فقال: ما بياك؟ قال: أضحكك، قاله مجاهد (1) وسالم بن أبي الجعد. ولما مضى من عمر آدم مائة وثلاثون سنة - وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ولدت له شيثا، وتفسيره هبة الله، أي خلفا من هابيل. وقال مقاتل: كان قبل قتل قابيل هابيل السباع والطيور تستأنس بآدم (2)، فلما قتل قابيل هابيل هربوا (3)، فلحقت الطيور بالهواء، والوحوش بالبرية، و [لحقت] (4) السباع بالغياض. وروي أن آدم لما تغيرت الحال قال: