إلى غيره لأسقط الله تكليفه، وفي بقاء التكليف عليه دليل على أن الله تعالى أزاح علته وبين له ما هو لطف له فعل هو أم لم يفعل، كما نقول: إن الصلاة لطف لكل مكلف فمن لم يصل لم يجب سقوط تكليفه لأنه أتي من قبل نفسه، وكذلك ههنا.
ولا يلزم على جواز الغيبة جواز عدمه، لأنه لو كان معدوما لما أمكننا طاعته ولا تمكينه فلا تكون علتنا مزاحة وإذا كان موجودا أمكن ذلك فإذا لم يظهر تكون الحجة علينا وإذا كان معدوما تكون الحجة على الله تعالى، فبان الفرق بين وجوده غائبا وبين عدمه، فالوجود أصل لتمكيننا إياه ولا يمكن حصول الفرع بلا حصول الأصل.
وأولياء الإمام ومن يعتقد طاعته فاللطف بمكانه حاصل لهم في كل وقت عند كثير من أصحابنا، لأنهم يرتدعون بوجوده من كثير من القبائح، ولأنهم لا يأمنون كل ساعة من ظهوره وتمكينه فيخافون تأديبه كما يخافونه وإن لم يكن معهم في بلدهم بينهم وبينه بعد، بل ربما كانت الغيبة أبلغ، لأن معها يجوز أن يكون حاضرا فيهم مشاهدا لهم وإن لم يعرفوه بعينه.
وفيهم من قال: إنه إذا لم يظهر لهم فالتقصير يرجع إليهم أو لما يعلم الله تعالى من حالهم أنه لو ظهر لهم لأشاعوا خبره أو شكوا في معجزه بشبهة تدخل عليهم فيكفرون به فلذلك لم يظهر لهم.
ولا يجوز أن تكون للإمامة بدل يقوم مقامها في باب اللطف كما لا يجوز مثله في المعرفة، وإن جاز كثير من الألطاف أن يكون له بدل. وإنما قلنا ذلك لأنه لو كان بدل لم يمتنع أن يفعل الله ذلك البدل فيمن ليس بمعصوم، فيكون حاله مع فقد الرئيس كحاله مع وجوده في باب الانزجار عن القبيح والتوفر على فعل الواجب، والمعلوم ضرورة خلافه على ما بيناه.
والكلام في تفريع هذا الباب استوفيناه في تلخيص الشافي وشرح الجمل وفيما ذكرناه ههنا كفاية.