ومتى قيل: في العقل وإن كان الأمر على ما قلتموه، فإن أدلة الشرع لزمتنا من جواز اجتماعهم على خطأ من آيات وأخبار.
قلنا: لا دلالة في شئ من الآيات والأخبار على ما تدعونه وبيننا وبينكم السير والاعتبار، وقد استوفينا الكلام في ذلك في أصول الفقه وتلخيص الشافي وشرح الجمل لا نطول بذكره ههنا. فأما أخبار الآحاد والقياس فلا يجوز أن يعمل عليهما عندنا، وقد بينا ذلك في أصول الفقه وغيره من كتبنا، فلم يبق من الأقسام إلا وجود معصوم يجري قوله كقول النبي عليه السلام.
فإن قيل: يلزم على هذا أن يكون من لا يعرف الإمام لا يعرف أحكام الشرع، والمعلوم خلافه.
قلنا: من لا يعرف الإمام لا يجوز أن يعرف من الشريعة إلا ما تواتر النقل به أو دل دليل قاطع عليه من ظاهر قرآن أو اجتمعت الأمة عليه، فأما ما عدا ذلك فإنه لا يعلمه وإن اعتقده فإنما يعتقده اعتمادا ليس بعلم، فلم يخرج من موجب الدلالة. والشرع يصل إلى من هو في البلاد البعيدة وفي زمن النبي أو الإمام بالنقل المتواتر الذي من ورائه حافظ معصوم، ومتى انقطع دونهم أو وقع فيه تفريط تلافاه حتى يصل إليهم وينقطع عذرهم.
فأما إذا فرضنا النقل بلا حافظ معصوم من وراء الناقلين فإنا لا نثق بأنه وصل جميعه، وجوزنا أن يكون وقع فيه تقصير أو كتمان لشبهة أو تعمد، وإنما نأمن وقوع شئ منه لعلمنا أن من ورائه معصوما متى وقع خلل تلافاه.
وهذه حالنا في زمن الغيبة، فإنا متى علمنا بقاء التكليف وعلمنا استمرار الغيبة علمنا أن عذرنا منقطع ولطفنا حاصل. لأنه لو لم يكن حاصلا لسقط التكليف أو أظهر الله تعالى الإمام ليبين لنا ما وقع فيه من الخلل فلا يمكن التسوية بين نقل من وراءه معصوم وبين نقل ليس من وراءه ذلك، فيسقط الاعتراض.