قلنا: نحن أولى بذلك، لأن النظر في معجز النبي عليه السلام يبنى على أمور عقلية لا يدخلها احتمال الاشتباه، لأنه مبني على ظهور القرآن وتحدي العرب وأنهم لم يعارضوه، وذلك كله معلوم ضرورة. والعلم بأن هذه صورته يكون معجزا ودالا على النبوة طريقه اعتبار العقل الذي لا يدخله الاحتمال، وليس كذلك الكلام في الخبر، لأن الخبر كلام والكلام لا تدخله الحقيقة والمجاز والعمل بظاهره تركه.
والخبر الذي يدعونه مبني على صحته، وصحته لا تعلم إلا بعد العلم بأن صفة التواتر فيه ثابتة في جميع أسلاف اليهود وكل زمان. ثم إذا ثبت فهو كلام تدخله الحقيقة والمجاز والخصوص والعموم والشروط والعدول عن ظاهره. فعلم بذلك أن النظر في معجز النبي عليه السلام أولى، لأن في العلم بصحته بطلان ما سواه، وإن لم يعلم صحة تكليف النظر في تصحيح خبرهم.
وأما من أجاز النسخ عقلا وشرعا ومنع من صحة نبوة نبينا عليه السلام فالوجه فيه أن يدل على صحة نبوة نبينا لبطل قوله، ولنا في الكلام في ثبوته طريقان: أحدهما الاستدلال بالقرآن على صحة نبوته، والآخر الاستدلال بباقي معجزاته عليه السلام.
والاستدلال بالقرآن لا يتم إلا بعد بيان خمسة أشياء: أحدها ظهوره عليه السلام بمكة وادعاؤه النبوة، وثانيها تحديه العرب بهذا القرآن وادعاؤه أن الله أنزل عليه وخصه به، وثالثها أنه لم يعارضوه في وقت من الأوقات، ورابعها أنهم لم يعارضوه للعجز، وخامسها أن هذا لتعذر خرق العادة.
فإذا ثبت ذلك دل على أن القرآن معجز، سواء كان معجزا خارقا للعادة بفصاحته فلذلك لم يعارضوه أو لأن الله تعالى صرفهم عن معارضته ولولا الصرف لعارضوا، وأي الأمرين ثبت ثبتت صحة نبوته عليه السلام، لأنه تعالى