قلنا: لا نعلم قصد أحدنا ضرورة بالتصديق بفعل ما يطابق الدعوى من تصديق بكلام أو فعل ملتمس به على وجه مخصوص، ومع هذا يعلم أنه صدقه ولو لم يكن صدقه لكان قبيحا، فقد ساوى القديم في هذا الباب.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يفعل تعالى ما يخرق العادة للمصلحة دون التصديق فلا يمكنهم أن يعلموا أنه فعل للتصديق.
قلنا: لا يجوز أن يفعل تعالى ما يخرق العادة إلا للتصديق، كما لا يجوز أن يقول قولا يتضمن التصديق ولا يقصد التصديق بل يفعله للمصلحة.
ولا فرق بين القول والفعل في ذلك، ولذلك لو قال الواحد منا لمن ادعى عليه أنه أرسله صدقت ولا يقصد تصديقه كان مقبحا وإن قصد إلى وجه آخر. ألا ترى أنه لو قال عقيب ذلك أردت بذلك تصديق الله لم يعذره العقلاء في ذلك بل يستقبحون منه ما فعله ويذمونه عليه.
ولا يجب في مدع النبوة أن يعين ما يلتمسه من المعجز وإن كان لو عين لكان أبلغ، بل يكفي أن يلتمس ما يدل على صدقه على الجملة، فإذا فعل الله تعالى عقيب ذلك ما يكون خارقا للعادة دل على صدقه كدلالة ما عينه، لأن المعين إنما دل على صدقه من حيث كان خارقا للعادة ومطابقا للدعوى ومختصا به ومفعولا عقيب الدعوى، وكل ذلك حاصل فيما ليس بمعين، فيجب أن يكون دالا على صدقه.
ولا يلزم في مدعي النبوة أن يطلب المعجز بلسانه، لأن ادعاء النبوة يتضمن وجوب تصديقه بالمعجز على مجرى العادة، فإن ادعى لفظا جاز كما لو عين المعجز جاز وإن لم يكن ذلك واجبا على ما بيناه.
وإذا كان فائدة المعجز تصديق من ظهر على يده فيجب جواز ظهوره على يد بعض الأئمة والصالحين إذا ادعوا الإمامة والصلاح وكانوا صادقين، فإنه