على حسن التعبد بالشرع فهو بعينه دال على جواز النسخ، لأن ما دل على جواز التعبد بالشرع ما قدمناه من المصلحة المتعلقة بالعبادة واللطف فيها. وهذا بعينه قائم في النسخ، لأنه لا يمتنع أن يصير ما كان مصلحة في وقت مفسدة في وقت آخر وما هو مفسدة في وقت يصير مصلحة في غيره، وما هو مصلحة لزيد يصير مفسدة لعمرو وما يكون مصلحة لعمرو يصير مفسدة لزيد. فإذا كان ذلك غير ممتنع فلو فرضنا حصوله لمن هو عالم بالعواقب وجب أن يعلمنا ذلك وينسخ عنا ما تغير الحال فيه، كما وجب أن يعلمنا ذلك في ابتداء العبادة.
وأي فرق بين أن يقول افعلوا هذه العبادة إلى وقت كذا واتركوا بعدها وبين أن يقول افعلوا مطلقا ثم يعلمنا بعد ذلك الوقت الذي تغيرت المصلحة فيه، وهل تجويز أحدهما إلا كتجويز الآخر.
ومتى قالوا: إن ذلك يؤدي إلى البداء. قلنا: ليس ذلك بداء، لأن البداء ما جمع شروطا أربعة: أحدها أن يكون المأمور به هو المنهي عنه بعينه، وثانيها أن يكون الوجه واحدا، وثالثها أن يكون الوقت واحدا، ورابعها أن يكون المكلف واحدا. والنسخ بخلاف ذلك لأن الفعل المأمور به غير المنهي عنه، لأن إمساك السبت في زمن موسى عليه السلام هو غير ما تناوله النهي عن إمساكه في زمن نبينا صلى الله عليه وآله، وإذا تغاير الفعلان لم تتكامل شروط البداء.
وكذلك إذا كان الوقتين متغايرين.
ولو كان ذلك بداءا لوجب أن يكون إماتة الله الخلق بعد إحيائهم وإغناؤهم بعد فقرهم وصحتهم بعد مرضهم يكون بداءا، فإذا لم يكن كذلك لتغير المصلحة فيه فالنسخ مثله.
ويلزم عليه أيضا أن لا تختلف شرائع الأنبياء وقد علمنا اختلافها ولم يكن ذلك بداء، لأنه كان في شرع آدم جواز تزويج الأخت من الأخ وفي شرع