والعادة قد تكون عامة، وقد تكون خاصة، وقد تكون في بعض البلاد دون بعض. فعلى هذا الاعتبار بانتقاض من تلك العادة عادة له، وإنما نعلم أنه من فعله إذا عرفنا تعذره علينا على كل حال مع ارتفاع الموانع المعقولة كالحياة والقدرة وخلق الجسم، أو يقع على وجه مخصوص لا يقدر عليه أحد من الخلق كنقل الجبال وفلق البحر.
والكلام الخارق للعادة بفصاحته، إنما نعلم اختصاصه بالمدعي بأن نعلمه مطابقا لدعواه، فإن ادعى الدلالة على تصديقه طلوع الشمس من مغربها فطلعت فذلك غاية المطابقة، ويجري مجرى أن يصدقه بكلام يتضمن تصديقه فعلم أنه بكلامه، لأنه لا فرق في الشاهد. فمن ادعى على غيره أنه رسوله بين أن يقول ذلك الغير صدقت وبين أن يقول المدعي الدليل على صدقي أنه يفعل فعلا من الأفعال لم تجر عادته بذلك، ثم يفعل ذلك الغير ما اقترحه، فإنا نعلم أنه صدقه.
وليس لأحد أن يقول في التصديق بالقول مواضعة متقدمة وهو صريح في التصديق، وليس في الفعل الذي التمسه مواضعة، فكيف يعلم أنه قصد التصديق وذلك الكلام وإن كان فيه مواضعة متقدمة ففي الفعل ما يجري مجرى المواضعة وهو طلب شئ مخصوص، فهذا يجري مجرى مواضعة متقدمة في ذلك على التصديق.
لأنا قد بينا أنه لا يكون دالا لمساواته له في كونه خارقا للعادة.
وإنما قلنا أنه لا بد أن يختص بالمدعي، لأنا إن لم نراع ذلك لم يعلم اختصاصه به ولا تعلقه. وجوزنا مع هذه المطابقة أن لا يكون فرقا بين التصديق بالقول وبين فعل ما يلتمسه المدعي إذا لم تجربه عادة، والعقلاء لا يفرقون بينهما.
ومتى قيل: إن أحدنا يعلم قصده ضرورة بفعله، فيعلم أنه صدقه إذا فعل عقيب الدعوى، وليس كذلك القديم تعالى، لأنه لا يعلم قصده ضرورة.