معجزه ولأنه لا يلزمنا معرفة كونه صالحا.
ولا يلزمنا جواز إظهار المعجز على يد الفساق المتهتكين والكفار إذا كانوا صادقين، لأن المعجز عند أكثر أصحابنا يدل على عصمة من ظهر على يده، ومن لم يعتبر العصمة جوز إظهارها على مؤمن يستحق الثواب بإيمانه وإن كان فاسقا بجوارحه بعد أن لا يكون سخيف المنزلة دني الرتبة، من حيث أن المعجز يقتضي علو المنزلة وعظم الرتبة، وذلك لا يوجد في هؤلاء وإن كانوا مؤمنين.
ويجب أن يكون النبي معصوما من القبائح صغيرها وكبيرها قبل النبوة وبعدها على طريق العمد والنسيان وعلى كل حال. يدل على ذلك أن القبيح لا يخلو أن يكون كذبا فيما يؤديه عن الله أو غيره من أنواع القبائح، فإن كان الأول فلا يجوز عليه، لأن المعجز يمنع من ذلك، لأنه ادعى النبوة على الله وصدقه بالعلم المعجز جرى ذلك مجرى أن يقول له صدقت، فلو لم يكن صادقا لكان قبيحا، لأن تصديق الكذاب قبيح لا يجوز عليه تعالى.
وأما الكذب في غير ما يؤديه وجميع القبائح الأخر فإنا ننزههم عنها لأن تجويز ذلك ينفر عن قبول قولهم. ولا يجوز أن يبعث الله نبيا ويوجب علينا اتباعه وهو على صفة تنفر عنه، ولهذا جنب الله تعالى الأنبياء الفظاظة والغلظة والخلق المشينة والأمراض المنفرة لما كانت هذه الأشياء منفرة في العادة.
ومرادنا بالتنفير هو أن يكون معه أقرب إلى أن لا يقع منه القبول ويصرف عنه وإن جاز أن يقع على بعض الأحوال، كما أن ما يدعو إلى الفعل قد لا يقع معه الفعل. ألا ترى أن التبشير إلى وجه الضيف داع إلى حضور طعامه وربما لم يقع معه الحضور، والعبوس ينفر وربما وقع منه الحضور وإن كان ذلك لا يقدح في كون أحدهما داعيا والآخر صارفا، ولا يقع القبول من الواعظ الزاهد ويقع من الماجن السخيف ولا يخرج ذلك السخف من كونه صارفا والزهد من كونه داعيا.