بعض هذه الأمور كان حسنا. والصلاة والصوم وجميع العبادات إنما يقبح في العقل متى خلت من فائدة ومنفعة وغرض، فإذا عرض فيها نفع وغرض صحيح فإنما يخرج من القبح إلى الحسن وإذا كان السمع ورد بأن لنا في هذه العبادات منافع وجب أن يحسن، لأنا لو علمنا ذلك بالعقل لعلمنا حسنه.
ولا طريق إلى معرفة النبي إلا بالمعجز، والمعجز في اللغة عبارة عمن جعل غيره عاجزا، مثل المقدور الذي يجعل غيره قادرا إلا أنه صار بالعرف عبارة عما يدل على صدق من ظهر على يده واختص به، والمعتمد على ما في العرف دون مجرد اللغة.
والمعجز يدل على ما قلناه بشروط: أولها أن يكون خارقا للعادة، والثاني أن يكون من فعل الله أو جاريا مجرى فعله، والثالث أن يتعذر على الخلق جنسه أو صفته المخصوصة، والرابع أن يتعلق بالمدعي على وجه التصديق لدعواه.
وإنما اعتبرنا كونه خارقا للعادة لأنه لو لم يكن كذلك لم يعلم أنه فعل للتصديق دون أن يكون فعل بمجرى العادة. ألا ترى أنه لا يمكن أن يستدل بطلوع الشمس من مشرقها على صدق الصادق ويمكن بطلوعها من مغربها، وذلك لما فيه من خارق العادة.
واعتبرنا كونه من فعل الله لأن المدعي إذا ادعى أن الله تعالى يصدقه بما يفعله فيجب أن يكون الفعل الذي قام مقام التصديق من فعل من طلب منه التصديق وإلا لم يكن دالا عليه، وفعل المدعي كفعل غيره من العباد لأنه لا يدل على التصديق، وإنما يدل فعل من ادعى عليه التصديق.
فإن قالوا: ليس لو كان القرآن من فعل النبي عليه السلام لدل على صدقه وكذلك نقل الجبال وطفر البحار يكون معجزا، وإن كان جميع ذلك من فعل المدعي للنبوة.