قلنا: لو كان القرآن من فعله وخرق العادة بفصاحته لكان المعجز في الحقيقة اختصاصه بالعلوم التي يأتي منه بها هذه الفصاحة وتلك العلوم من فعل الله، وكذلك طفر البحار ونقل الجبال إنما يكون المعجز اختصاصه بالقدر الذي خلقها الله تعالى فيه التي يمكن بها من ذلك، وتلك من فعله تعالى ولم يخرج عما قلناه.
هذا على مذهب من يقول بالصرفة، وأما من يعتبر مجرد خرق العادة فقط فإنه يقول: إن ذلك الكلام الخارق للعادة أو حمل الجبال هو المعجز، لأنه لو لم يكن كذلك لما مكن الله تعالى منه.
وإنما اعتبرنا أن يكون متعذرا في جنسه أو صفته لأنا متى لم نعلمه كذلك لم نأمن أن يكون من فعل غير الله، وقد بينا أنه لا بد أن يكون من فعله وسوينا بين تعذره في جنسه وصفته، لأن تعذر الجنس إنما دل من حيث كان ناقصا للعادة لا من حيث كان مختصا به تعالى، وكذلك إذا كان متعذرا [في صفته] 1) وإن كان جنسه مقدورا تصديقا لهذا المدعى.
وإنما يعلم كونه خارقا للعادة بالرجوع إلى العادات المستقرة المستمرة، وذلك معلوم عند العقلاء، فإذا انتقضت بذلك لم يخف على أحد. ألا ترى أن أحدنا لا يشك في طلوع الشمس من مشرقها ولا يعرفون خلقا ولد إلا من وطي، فإذا شاهدوا طلوعها من مغربها أو خلق حي من غير ذكر أو أنثى علموا أنه خارق للعادة. وعلى هذا افتتاح العادات لا تكون عادة.
ومتى خلق الله تعالى خلقا ابتداءا من مصلحته معرفة الشرائع ولم تعرف العادة لم يحسن أن يكلف حتى يبقيه غير مكلف زمانا يعرف فيه العادات، فإذا عرفها حينئذ كلفه وبعث إليه من يمكنه أن يستدل على صدقه بانتقاض ما عرف من العادات قبل تكليفه.