عليه تعالى إزاحة علة المكلف في فعل اللطف على ما مضى القول فيه.
ولا يمكن إعلام ذلك إلا ببعثة الرسل الذين يعلمونا ذلك، لأنه لا يمكننا الوصول إليه بضرورة العقل ولا باستدلال، ولا يحسن خلق العلم الضروري بذلك لأنه ينافي التكليف، فلم يبق بعد ذلك إلا بعثة الرسل ليعرفونا ذلك.
وعلى هذا الوجه متى حسنت البعثة وجبت، ولا ينفصل الحسن من الوجوب.
وإنما قلنا " لا يحسن خلق العلم الضروري بذلك " لأنا بينا أن معرفة الله تعالى إنما تكون لطفا إذا كانت كسبية، والعلم بالشرائع فرع على العلم بالله، فلا يجوز أن يكون الفرع ضروريا والأصل كسبيا، فيكون الفرع أقوى من الأصل.
ويجوز أن يبعث الله تعالى نبيا ليؤكد ما في العقول وإن لم يكن معه شرع، ولا يكون ذلك عبثا، لأنه لا يمنع أن يكون نفس بعثته لطفا للمكلفين.
فعلى هذا يجب إظهار المعجزات على يده، لأنا فرضنا أن في بعثته لطفا ولو لم يكن في بعثته لطف لما كان أيضا عبثا، كما لا يكون نصب أدلة كثيرة على شئ واحد عبثا وإن كان الدليل الواحد كافيا في هذا الباب.
وأما النظر في معجزة فإن كان معه شرع أو كان نفس بعثته لطفا فإنه يجب علينا، وإن لم يكن كذلك بل بمجرد ما في العقل فإنه يحسن النظر في معجزه وإن لم يجب. ومتى التزمنا على ذلك جواز إظهار المعجزات على يدي الأئمة والصالحين فإنا نلتزمه، وسنتكلم عليه فيما بعد إنشاء الله.
ويحسن بعثة الأنبياء لأمور أخر، نحو تعريفنا القطع على عقاب الكفار، وليعرفونا بعض اللغات، وليعرفونا الفرق بين السموم القاتلة والأغذية، وكثيرا من مصالح الدنيا على ما بيناه وفرعناه في شرح الجمل. وإن لم يكن جميع ذلك واجبا، لإمكان الوصول إلى هذه الأشياء من غير جهة الأنبياء، على ما بيناه في الشرح.